سلمان الفارسي رضي الله عنه


سلمان الفارسي
رضي الله عنه
ومع نفحات من قصة:
الحمد لله رب العالمين
وأشهد ألا إله إلا الله
وأشهد أن نبينا محمدا رسول الله  صلى الله عليه وسلم
وبعد :إنه الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه
أو سلمان الخير،
أو الباحث عن الحقيقة،
وكان -رضي الله عنه- إذا سئل مَنْ أنت؟
قال: أنا ابن الإسلام، من بني آدم،
وقد اشتهر بكثرة العبادة، وكثرة مجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يفارقه إلا لحاجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه حبًّا شديدًا،
وسماه أبو هريرة صاحب الكتابين (1)، وسمَّاه علي بن أبي طالب  لقمان الحكيم، وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء.
سلمان -رضي الله عنه- من أهل أصبهان من الفرس ، وقد اجتهد في المجوسية حتى كان قاطن النار (2) الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.
فخرج فمر بكنيسة للنصارى، فسمعهم يصلُّون، فدخل عليهم ينظر ما يصنعون، فأعجبه ما رأى من صلاتهم، وقال لنفسه: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه فما برحهم (3) حتى غابت الشمس، ، وسأل النصارى حين أعجبه أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا: في الشام، وقال لأبيه حين عاد إليه: إني مررت على قوم يُصلّون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاوره قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قال كلا والله أنه لخير من ديننا قال فخافني فجعل في رجله قيدا ثم حبسه في بيته.
سلمان يبحث عن الحقيقةيقول سلمان رضي الله عنه وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم، وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام أن يخبروني قبل عودتهم إليها؛ لأرحل معهم، وقد فعلوا فحطمت الحديد، وخرجت، وانطلقت معهم إلى الشام، وهناك سألت عن عالمهم فقيل لي: هو الأسقف (4) صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم وأصلي وأتعلم، وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها على الفقراء، ولكنه كان يكتنزها لنفسه.
فلما مات جاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً على دينهم خيرًا منه، ولا أعظم رغبة في الآخرة وزهدًا في الدنيا، ودأبًا على العبادة، فأحببته حبًّا ما علمت أنني أحببت أحدًا مثله قبله، فلما حضره قدره (الموت)، قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، فبم تأمرني؟ وإلى مَنْ توصى بي؟ قال: أي بني، ما أعرف من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلاً بالموصل.
فلما توفي أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، فسألته فدلني على عابد في نصيبين، فأتيته وأخبرته خبري، ثم أقمت معه ما شاء الله أن أقيم، فلما حضرته الوفاة سألته، فأمرني أن ألحق برجل في عمورية من بلاد الروم، فرحلت إليه وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنيمات، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدًا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك (5) زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفًا، يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين، فإن استطعت أن تخلص (6) إليه فافعل، وإن له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة، ويقبل الهدية، وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته.
ومرَّ بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم فعلمت أنهم من جزيرة العرب، فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟ قالوا: نعم. واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني وباعوني إلى رجل من يهود، وأقمت عنده حتى قدم عليه يومًا رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصِفَتْ لي.
وأقمت معه أعمل له في نخله، وإني لفي رأس نخلة يومًا، وصاحبي جالس تحتها، إذ أقبل رجل من بني عمه فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة (الأوس والخزرج)، إنهم ليقاصفون (يجتمعون) على رجل بقباء قادم من مكة يزعمون أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن قالها حتى أخذتني العُرَوَاءُ (ريح باردة)، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي، ثم نزلت سريعًا أقول ما هذا الخبر؟ فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، فأقبلت على عملي.
سلمان يتحقق من الأمر
ويبحث عن العلامات (7)ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بقُباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذُكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به، ثم وضعته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم  لأصحابه: (كلوا باسم الله )، وأمسك هو فلم يبسط إليه يدًا، فقلت في نفسي: هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة.
ثم رجعت، وعدت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  في الغداة أحمل طعامًا، وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يده، فقال لأصحابه:( كلوا باسم الله )، وأكل معهم، قلت لنفسي: هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان (8) مؤتزرًا بواحدة، ومرتديًا الأخرى، فسلّمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته صلى الله عليه وسلم عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكي.
ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته كما أحدثكم الآن، ثم أسلمت،
سلمان الحر
ثم شغل سلمان رضي الله عنه الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدر واحد قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كاتب يا سلمان ). فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:( أعينوا أخاكم ). فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنده. حتى اجتمعت لي ثلثمائة ودية (9)فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان ففقر لها(10) فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي.
قال: ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده. فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية وأحدة. فاديت النخل فبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال:  ما فعل الفارسي المكاتب?  . قال: فدعيت له. قال:  فخذ هذه فأد بها ماعليك يا سلمان  قال: قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي? قال:  خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك  . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد وعشت حُرًّا مسلمًا، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غزوة الخندق والمشاهد كلها. [11].
سلمان وحفر الخندقوكان سلمان هو الذي أشار بحفر الخندق حول المدينة عندما أرادت الأحزاب الهجوم على المدينة، وعندما وصل أهل مكة المدينة، ووجدوا الخندق، قال أبو سفيان: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
سلمان منا آل البيت
وعن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق وجعل لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون: سلمان منا وقالت الأنصار: لا بل سلمان منا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سلمان منا أهل البيت )
من زهده وفضائله رضي الله عنه
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( السباق أربعة(12)، أنا سباق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة )
ومما يحكى عن زهده أنه كان أميرًا على المدائن في خلافة الفاروق عمر، وكان عطاؤه من بيت المال خمسة آلاف دينار، لا ينال منه درهمًا واحدًا، ويتصدق به على الفقراء والمحتاجين، ويقول: (أشتري خوصًا بدرهم فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهمًا فيه، وأنفق درهمًا على عيالي، وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيتُ) [13].
ويروى أنه كان أميرًا على سرية، فمرَّ عليه فتية من الأعداء وهو يركب حمارًا، ورجلاه تتدليان من عليه، وعليه ثياب بسيطة مهلهلة، فسخروا منه، وقالوا للمسلمين في سخرية وازدراء: هذا أميركم؟ فقيل لسلمان: يا أبا عبد الله ألا ترى هؤلاء وما يقولون؟ فقال سلمان: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.
[14].
من غزارة علمه رضي الله عنه
عن أبي جحيفة قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء. فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة. فقال لها: وما شأنك? فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا. قال: فلما جاء أبا الدرداء قرب طعاما فقال. كل فإني صائم.قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. قال: فأكل.
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم. فقال له سلمان: نم، فنام. فلما كان من آخر الليل قال له سلمان: قم الآن. فقاما فصليا فقال: إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال ( صدق سلمان ) (15)
وعن جرير قال سلمان يا جرير تواضع لله عز و جل فانه من تواضع لله عز وجل في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة? قلت لا قال ظلم الناس بينهم في الدنيا قال ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين إصبعيه قال يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده قال قلت يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر.
وعن أبي البختري عن سلمان قال مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إني أرى تمرة ولا استطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه.
وعن قتادة قال قال سلمان إذا أسأت سيئة في سريرة فأحسن حسنة في سريرة وإذا أسأت سيئة في علانية فأحسن حسنة في علانية لكي تكون هذه بهذه.
من تواضعه رضي الله عنهومما رُوي في تواضعه أنه كان سائرًا في طريق، فناداه رجل قادم من الشام ليحمل عن متاعه، فحمل سلمان متاع الرجل، وفي الطريق قابل جماعة من الناس فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام، وأسرع أحدهم نحوه ليحمل عنه قائلا: عنك أيها الأمير، فعلم الشامي أنه سلمان الفارسي أمير المدائن، فأَسْقَطَ ما كان في يديه، واقترب ينتزع الحمل، ولكن سلمان هزَّ رأسه رافضًا وهو يقول: لا، حتى أبلغك منزلك. [16].
ودخل صاحب له بيته، فإذا هو يعجن فسأله: أين الخادم؟ فقال سلمان: لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.
وحين أراد سلمان بناء بيت له سأل البنَّاء: كيف ستبنيه؟ وكان البنَّاء ذكيًّا يعرف زهد سلمان وورعه، فأجابه قائلاً: لا تخف، إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت (نمت) فيها أصابت رجلك. فقال له سلمان: نعم، هكذا فاصنع.
وفاته رضي الله عنه
وتوفي -رضي الله عنه-(17)
اللهم ارض عن سلمان وعن الصحابة أجمعين
وألحقنا بهم يوم القامة في عليين
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا
وأكرم نزلنا ووسع مدخلنا واغسلنا من خطايانا
بالماء والثلج والبرد
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
وارفع بفضلك رايتي الحق والدين
وصل اللهم على سيدنا ونبينا وحبيبنا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وأقم الصلاة
(1)(يعني الإنجيل والفرقان)
(2)(ملازمها)
(3)(تركهم)
(4)(رئيس من رؤساء النصارى)
(5)(أتى عليك)
(6)(تذهب)
(7)(لايأكل الصدقة، ويقبل الهدية،
 وإن بين كتفيه خاتم النبوة )
(8)(الشملة: كساء من الصوف)
(9)(نبتة النخل)
(10)(احفر لها)
(11)(رواه أحمد والطبراني)
(12)(أول المسلمين من البلاد)
(13)(أبو نعيم)
(14)(ابن سعد)
(15)(انفرد بإخراجه البخاري)
(16)(ابن سعد)
(17)(في خلافة عثمان بن عفان سنة (35هـ)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة عن استقبال رمضان

خطبة عن فضل القرآن

تكريمه صلى الله عليه وسلم