أقسام الناس في الصيام وأحكام القضاء
أقسام الناس في الصيام وأحكام القضاء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله
شيئا.
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ ) (آل
عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ العلامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قدمنا الكلام عن
سبعة أقسام من أقسام الناس في الصيام وهذه بقية الأقسام :
* القسم الثامن : الحائض فيحرم عليها الصيام ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم
في النساء : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ
الرجل الحازم من إحداكن " . قلن : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال
: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن : بلى . قال : " فذلك
نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تصم ؟ قلن : بلى . قال : " فذلك
من نقصان دينها ) (متفق عليه) .
والحيض دم طبيعي يعتاد المرأة في أيام معلومة .
وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل
صوم يومها ولزمها قضاؤه إلا أن يكون صومها تطوعا فقضاؤه تطوع لا واجب
وإذا طهرت من الحيض في أثناء نهار رمضان لم يصح صومها بقية
اليوم لوجود ما ينافي الصيام في حقها في أول النهار ، وهل يلزمها الإمساك بقية اليوم
؟ فيه خلاف بين العلماء سبق ذكره في المسافر إذا قدم مفطرا .
وإذا طهرت في
الليل في رمضان ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم ؛ لأنها من أهل الصيام وليس
فيها ما يمنعه فوجب عليها الصيام ، ويصح صومها حينئذ وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر
كالجنب إذا صام ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإنه يصح صومه لقول عائشة رضي الله
عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام
ثم يصوم في رمضان ) (متفق عليه) .
والنفساء كالحائض في جميع ما تقدم .
ويجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي فاتتهما لقوله تعالى
: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 185 ] ، وسئلت عائشة رضي الله عنها : ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : كان يصيبنا ذلك فَنُؤْمَر
بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) (رواه مسلم ، وهو من أحاديث العمدة وعزاه في المنتقى للجماعة)
* القسم التاسع : المرأة إذا كانت مُرضعا أو حاملا وخافت على نفسها أو على الولد من الصوم
فإنها تفطر لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر
والحامل والمرضع الصوم أو الصيام ) (أخرجه الخمسة وهذا لفظ ابن ماجه , وهو حسن) ، ويلزمها القضاء بعدد الأيام التي أفطرت حين يتيسر لها ذلك ويزول عنها الخوف
كالمريض إذا برأ .
* القسم العاشر : من احتاج للفطر
لدفع ضرورة غيره كإنقاذ معصوم المعصوم : الآدمي المحرم قتله . من غرق أو حريق أو
هدم أو نحو ذلك ، فإذا كان لا يمكنه إنقاذه إلا بالتَّقَوِّي عليه بالأكل والشرب
جاز له الفطر ، بل وجب الفطر حينئذ لأن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب ، وما لا يتم
الواجب إلا به فهو واجب ، ويلزمه قضاء ما أفطره .
ومثل ذلك من
احتاج إلى المطر للتَّقَوِّي به على الجهاد في سبيل الله في قتاله العدو فإنه يفطر
ويقضي ما أفطر سواء كان ذلك في السفر أم في بلده إذا حضره العدو ؛ لأن في ذلك دفاعا
عن المسلمين وإعلاء لكلمة الله عز وجل ، وعن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال : ( سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مكة ونحن صيام فنزل منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم
" ، فكانت رخصة فَمِنَّا من صام ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم مُصَبِّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا
" ، وكانت عزمة فأفطرنا ) (رواه مسلم) . ففي هذا الحديث إيماء إلى أن القوة على القتال سبب مستقل غير السفر ؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم جعل علة الأمر بالفطر القوة على قتال العدو دون السفر ،
ولذلك لم يأمرهم بالفطر في المنزل الأول .
وكل من جاز له الفطر بسبب مما تقدم فإنه لا يُنكَر عليه
إعلان فطره إذا كان سببه ظاهرا كالمريض والكبير الذي لا يستطع الصوم ، وأما إن كان
سبب فطره خفيا كالحائض ومن أنقذ معصوما من هلَكة فإنه يفطر سرا ولا يعلن فطره لئلا
يجر التهمة إلى نفسه ، ولئلا يغتر به الجاهل فيظن أن الفطر جائز بدون عذر .
وكل من لزمه القضاء من الأقسام السابقة فإنه يقضي بعدد
الأيام التي أفطر لقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 185 ] ، فإن أفطر جميع الشهر لزمه جميع أيامه ،
فإن كان الشهر ثلاثين يوما لزمه ثلاثون يوما ، وإن كان تسعة وعشرين يوما لزمه تسعة
وعشرون يوما فقط .
والْأَوْلَى المبادرة بالقضاء من حين زوال العذر لأنه أسبق
إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة .
ويجوز تأخيره إلى أن يكون بينه وبين رمضان الثاني بعدد
الأيام التي عليه لقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ البقرة 185 ] . ومن تمام اليسر جواز
تأخير قضائها ، فإذا كان عليه عشرة أيام من رمضان جاز تأخيرها إلى أن يكون بينه ويبن
رمضان الثاني عشرة أيام .
ولا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان الثاني بدون عذر لقول
عائشة رضي الله عنها : كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع
أن أقضيه إلا في شعبان (رواه البخاري) . ولأن تأخيره إلى رمضان الثاني يوجب أن يتراكم عليه الصوم ، وربما يعجز عنه
أو يموت ، ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الْأُولَى إلى وقت الثانية كالصلاة
، فإن استمر به العذر حتى مات فلا شيء عليه لأن الله سبحانه أوجب عليه عدة من أيام
أخر ، ولم يتمكن منها فسقطت عنه ، كمن مات قبل دخول شهر رمضان لا يلزمه صومه ، فإن
تمكن من القضاء ففرط فيه حتى مات صام وليه عنه جميع الأيام التي تمكن من قضائها ،
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) (متفق عليه)
ووليه وارثه أو قريبه ، ويجوز أن يصوم عنه جماعة بعدد الأيام
التي عليه في يوم واحد ، قال البخاري : قال الحسن : إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز ، فإن لم يكن له ولي أو كان له ولي
لا يريد الصوم عنه أُطْعِمَ من تركته عن كل يوم مسكينٌ بعدد الأيام التي تمكن من
قضائها ، لكل مسكين مُدّ بُرّ وزنه بالبر الجيد نصف كيلو وعشرة غرامات .
أيها
الأخوة الأعزاء: هذه أقسام الناس في أحكام الصيام شرع الله فيها لكل قسم
ما يناسب الحال والمقام فاعرفوا حكمة ربكم في هذه الشريعة ، واشكروا نعمته عليكم
في تسهيله وتيسيره ، واسألوه الثبات على هذا الدين إلى الممات .
اللهم اغفر لنا ذنوبا حالت بيننا وبين ذكرك ، واعف عن تقصيرنا
في طاعتك وشكرك ، وأدم علينا لزوم الطريق إليك ، وهب لنا نورا نهتدي به إليك ، اللهم
أذقنا حلاوة مناجاتك ، واسلك بنا سبيل أهل مرضاتك ، اللهم أنقذنا من دركاتنا , وأيقظنا
من غفلاتنا , وألهمنا رشدنا , وأحسن بكرمك قصدنا ، اللهم احشرنا في زمرة المتقين
، وألحقنا بعبادك الصالحين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
.
اللهم آمين
|
تعليقات
إرسال تعليق