خطبة عن استقبال رمضان
خطبة عن استقبال رمضان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ به من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادى له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،
(اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطى لما منعت ،
ولا ينفع ذا الجدِّ منكَ
الجدُّ) (البخاري)
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم الذي قال
(إن لله تعالى أهلين من الناس . قالوا : يا رسول الله من هم ؟
قال : هم أهل القران أهل الله وخاصته)
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب56)
بلغ العلا بكماله كشف
الدجى بجماله عظمت جميع خصاله
صلوا عليه وآله
اللهم صل على سيدنا محمد
في الأولين وصل عليه في الآخرين
وصل عليه في كل وقت وحين
صل اللهم وسلم وبارك عليه
وارض اللهم عن الصحابة
أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
وارحم اللهم مشايخنا
وعلمائنا ووالدينا وأمواتنا وأموات المسلمين أجمعين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
(آل
عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
(الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
قال الله تعالى
من نعم الله عز وجل على عباده أن جعل
لهم مواسم للخيرات والبركات ، ومَنَّ عليهم فيها بالنفحات والمزيد من الحسنات ،
فيعملون قليلاً ويؤجرون كثيرًا ، وينفقون زهيدًا ويجزون مزيدًا ، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الحديد:21).
ونحن نستقبل هذا الضيف الكريم علينا
أن نتأهب لاستقباله ، فهو شهر تتطلع إليه قلوب المؤمنين ، وهو بمثابة سوق يُتيحُه
الله عز وجعل لعباده كل عام مرة ليتاجروا فيه مع ربهم التجارة الرابحة .
ولقد حرص الرسول (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) على تهيئة أصحابه لاستقبال هذا الشهر الكريم ، واغتنام أيامه
ولياليه بالمسارعة إلى الخيرات ، وطلب المغفرة والرحمات من رب الأرض والسموات ،
فعَنِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ (رضي
الله عنه) قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ:
” أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ
عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ،
جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا ، مَنْ
تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا
سِوَاهُ ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً
فِيمَا سِوَاهُ ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ …
الحديث” (صحيحُ ابن خُزَيمة).
وكان النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) إذا هبت نسائم شهر رمضان المبارك يُشيع البِشرَ ويَنشُر البهجة والسرور
، ويحث على العمل ، ويحذر من الكسل والتفريط ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله
عنه) قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): « قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ ،
شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ
أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ
الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا
فَقَدْ حُرِمَ» (مسند
أحمد).
ولقد كان الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) أسرع الناس استجابة للتوجيهات
النبوية الكريمة ، وأحرص الناس على الامتثال لها والعمل بموجبها ، فكانوا يدعون
الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم ،
وكان من دعائهم: ” اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا ” ،
فكانوا طوال العام في رحاب رمضان ، يستقبلونه بالدعاء والعبادة ، ويتهيأون
لاغتنامه ، ويودعونه بالقرآن وبالعبادة .
ونحن على أعتاب شهر الخير علينا أن
نتأسى بصحابة رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وأن نستقبل هذا الشهر
الكريم بتوبة صادقة خالصة ، و أن المسلم يُعدَّ نفسَه ويجهزها ويؤهلها لاستقبال
النفحات والرحمات والخيرات، بتوبة نصوح تغسل ذنوبنا ، وتطهر قلوبنا ، وليكن نصب
أعيننا كما روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ
أَبِى مُوسَى عَنِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ
لِيَتُوبَ مسيء النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مسيء
اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)
فمهما أسرف الإنسان في المعاصي ،
ومهما عظمت ذنوبه فلا ييأس من رحمة الله عز وجل فباب التوبة مفتوح ، قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر: 53) . وفي الحديث القدسي : عن أَنَس بْن مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: ”
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي
وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ منكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ
آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ
لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ
الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ
بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) (سنن
الترمذي).
فعلى المسلم اليقظ أن يغتنم هذا الشهر
الكريم بالعبادة والطاعة ، وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والذكر ، ففي الصحيحين قال
رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (من
قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وأبواب الخير كثيرة ؛ حيث رحمة الله القريبة من عباده ،
وإجابة دعواتهم وتلبية حاجاتهم ، والعاقل من قام على أبواب الخير وفعل البر ، حيث
ينظر الله تعالى إلى التنافس بين العباد في أبواب الخير ، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أقبل شهر رمضان قام
خطيباً ، فقال: ” أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ
بَرَكَةٍ ، فِيهِ خَيْرٌ يَغْشَاكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ
فِيهَا الْخَطَايَا ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الدَّعْوَةُ ، يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى
تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِيكُمْ بِمَلاَئِكَةٍ ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسَكُمْ
خَيْرًا ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ
اللَّهِ ” .
ومن فضائل هذا الشهر الكريم:
الجنة تُفتَّح أبوابها ، والنار تغلق
أبوابها، وتُسلسل الشياطين ، ويتسابق العباد إلى الخيرات ،قال النبي صلى الله عليه
وسلم) قَالَ: ” إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ
أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ) (متفق عليه).!
وفي الحديث أن رَسُولُ اللهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كان يقول (الصَّلَوَاتُ
الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ
مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » (رواه مسلم)
. فهو فرصة لمغفرة الذنوب ولمحو السيئات ، فعَنْ النبي (صلى الله عليه وسلم)
قَالَ: ” مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ ”
فاغتنام الفرصة عظيم ، ففي الحديث أَنَّ
النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ
رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ:
آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ
يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ،
فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ
فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ:
آمِينَ، فَقُلْتُ:
آمِينَ)(صحيح ابن حبان).
إن شهر رمضان ، يعلم الصبر وتقوية الإرادة ، والانتصار
على الشهوات ، ويجدون في ليله ونهاره لذة المناجاة والوقوف بين يدي ربهم ،والتجسد بين
المسلمين عامتهم وخاصتهم ، كبيرهم وصغيرهم ، ليكون الجميع يدًا واحدةً ، وبناءً
متكاملاً ، لدفع تيارات الفتن ، وأمواج المحن .
فلنحرص على الصلاة في جماعة في بيوت الله عز
وجل ،
وأن ننفق في سبيل الله ، ولا يبخل أحد
منا ، ولا يخش الفقر ففي الصحيحين عَنْ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: ) مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ
إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا
خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا (.
ولنعلم أن لنا إخواناً فقراء علينا أن
نتذكرهم ، فمن ملك الزاد وأطعم فقد فاز بأجر كبير وثواب عظيم ، فعَنْ زَيْدِ بْنِ
خَالِدٍ الجُهَنِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) : ( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا( (رواه الترمذي) .
فاستقبال هذا الشهر الكريم بقلوب
عامرة ونفوس طاهرة ، وتوبة صادقة خالصة تجلب رضا الله ورحمته ومغفرته ،
فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ (رضي الله عنهما) يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( أُعْطِيَتْ أُمَّتِي
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، أَمَّا وَاحِدَةٌ
: فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ
أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ ،
وَمَنْ نَظَرَ اللهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ أَبَدًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ :
فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أُطَيِّبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ
فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ : فَإِنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا : اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي
لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِي
وَكَرَامَتِي ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ : فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ
غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعًا ” فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَهِيَ لَيْلَةُ
الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: ” لَا ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْعُمَّالِ يَعْمَلُونَ فَإِذَا
فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ ) (شعب
الإيمان).
فما دام الأكل حلالاً طيباً فالعمل
صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولاً ؟ فعن أبي هريرة
(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : »إن الله طيب لا يقبل
إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِـحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }(المؤمنون:51) ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة:
172). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ
السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا
رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ
بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ » (صحيح مسلم). فإذا
ما صام الإنسان وأفر على الحرام فلا ثواب لصيامه مصداقاً لقول الرسول (صلى
الله عليه وسلم ) في الحديث: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ
مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ، وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ
السَّهَرُ).
رمضان شهر القرآن ،
رمضان شهر الجود والكرم ، رمضان شهر الصبر ، رمضان شهر الرحمة ، رمضان شهر البر
والصلة ، رمضان شهر الدعاء والإجابة ، وهو كذلك في كل ما ذكر ، غير أن هناك جانبًا
هامًّا من الجوانب قد يُفهم على غير وجهه الصحيح ، أو لا يكون فيه التطبيق على
مستوى الفهم ، حيث يركن بعض الناس إلى الراحة والكسل ، أو التفرغ الكامل طوال
الشهر للعبادة على حساب العمل ، أو التقصير في الواجب المهني أو الوظيفي ، أو
إرجاء الأعمال إلى ما بعد رمضان ، فيكون التأجيل والتسويف والترحيل ، أو شغل الوقت
المخصص للعمل وخدمة الناس بمزيد من الصلاة وقراءة القرآن في ساعات العمل الرسمية ،
حتى لو كان ذلك على حساب قضاء حوائج الناس أو تعطيلها ، أو حمل بعض الناس على
الحضور إلى المصلحة الواحدة اليوم تلو الآخر تلو الذي يليه .
رمضان شهر العزيمة وشهر الإرادة ، وينبغي لتلك العزيمة القوية
والإرادة الفولاذية التي تقهر الجوع والعطش ، بل تقهر سائر الشهوات والموبقات
والخصال الذميمة أن تقهر البطالة والكسل ، كما ينبغي أن تقهر العادات السيئة ،
وبخاصة لدى المدخنين أو المتعاطين أو المدمنين ، فهذه فرصتهم للإقلاع عن هذه
العادات السيئة والأوبئة والسموم المدمرة القاتلة .
اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك
عدل في قضاؤك
، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني ، و ذهاب همي
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا
وأكرم نزلنا ووسع مدخلنا واغسلنا من خطايانا
بالماء والثلج والبرد
اللهم بلغنا رمضان واجعلنا فيه من العاملين
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
وارفع بفضلك رايتي الحق والدين
وصل اللهم على سيدنا ونبينا وحبيبنا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وأقم الصلاة
|
تعليقات
إرسال تعليق