زكاة أموالكم
المجلس
السادس عشر:
في الزكاة الحمد لله الذي يمحو الزَّلَل ويصفح , ويغفر الخَطَل ويسمح ، كل من لاذ به أفلح , وكل من عامله يربح ، رفع السماء بغير عمد فتأملْ والمح ، وأنزل القطر فإذا الزرع في الماء يسبح ، والمواشي بعد الجدب في الخصب تسرح ، وأقام الوُرْق على الوُرْق تُسَبِّح ، أغنى وأفقر وربما كان الفقر أصلح ، فكم من غني طرحه الأشر والبطر أقبح مطرح ، هذا قارون مَلَكَ الكثير لكنه بالقليل لم يسمح ، نُبِّه فلم يستيقظ وَلِيمَ فلم ينفعه اللوم إذ قال له قومه : لا تفرح ، أحمده ما أمسى النهار وما أصبح ، وأشهد أن لا إله إلا الله الغني الجواد مَنَّ بالعطاء الواسع وأفسح , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاد لله بنفسه وماله وأبان الحق وأوضح ، صلى الله عليه وعلى أصحابه أبي بكر الذي لازمه حضرا وسفرا ولم يبرح , وعلى عمر الذي لم يزل في إعزاز الدين يكدح , وعلى عثمان الذي أنفق الكثير في سبيل الله وأصلح , وعلى علي ابن عمه وأبرأ ممن يغلو فيه أو يقدح , وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان , وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب
71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إخواني : قال الله
تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [
البينة : 5 ] ، وقال تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } [
المزمل : 20 ] ، وقال تعالى : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } [
الروم : 39 ] ، والآيات في وجوب
الزكاة وفَرْضِيَّتها كثيرة ، وأما الأحاديث فمنها ما رُوِيَ عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( بُنِيَ الإسلام على خمس : على أن يُوَحَّدَ
اللهُ , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصيام رمضان , والحج , فقال رجل : الحج
وصيام رمضان ؟ قال : لا . قال : صيام رمضان والحج ) ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه
مسلم) . وفي رواية : ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) (
الحديث بمعناه ) .
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام , وهي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل , وقد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعا قطعيا , فمن أنكر وجوبها مع علمه به فهو كافر خارج عن الإسلام , ومن بخل بها أو انتقص منها شيئا فهو من الظالمين المتعرضين للعقوبة والنكال ، وتجب الزكاة في أربعة أشياء :
* الأول : الخارج من الأرض من الحبوب والثمار لقوله
تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ } [ البقرة 267 ] ، وقوله سبحانه : { وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] ، وأعظم حقوق المال الزكاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فيما سقت السماء أو كان عَثَريا العُشْر ، وفيما سُقِيَ
بالنضح نصف العشر ) (رواه البخاري) ، ولا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ نصابا وهو خمسة أوْسق ,
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس في حَبٍّ ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ) (رواه
مسلم) . والوَسَق ستون صاعا
بصاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي تبلغ
زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جراما , أي : كيلوين وخمسيْ عُشر الكيلو , ولا
زكاة فيما دونها , ومقدار الزكاة فيها العُشْر كاملا فيما سُقِيَ بدون كُلْفة
ونصفه فيما سُقِيَ بكلفة, ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات والبطيخ ونحوها ,
لقول عمر :
ليس في الخضروات صدقة ، وقول علي : ليس في التفاح وما أشبه صدقة ، ولأنها ليست بحب ولا ثمر ، لكن إذا باعها بدراهم وحال الحول على ثمنها ففيه الزكاة .
* الثاني : بهيمة الأنعام
وهي الإبل والبقر والغنم ضأنا كانت أم معزا إذا كانت سائمة وأُعِدَّت للدَّر
والنسل وبلغت نصابا ، وأقل النصاب في الإبل خمسون ، وفي البقر ثلاثون ، وفي
الغنم أربعون ، والسائمة هي التي ترعى الكلأ النابت بدون بذر آدمي كل السنة أو
أكثرها ، فإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها ، إلا أن تكون للتجارة ، وإن أُعِدَّت
للتكسب بالبيع والشراء والمناقلة فيها فهي عروضُ تجارةٍ تُزَكَّى زكاةَ تجارةٍ
سواء كانت سائمة أو معلفة إذا بلغت نصاب التجارة بنفسها أو بضمها إلى تجارته .
* الثالث : الذهب
والفضة على أي حال كانت لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }{ يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا
كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 34 - 35 ] ، والمراد بكنزها عدم إنفاقها في سبيل الله ، وأعظم
الإنفاق في سبيل الله إنفاقها في الزكاة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم ، فيُكْوَى
بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يُقْضَى بين العباد ) (رواه مسلم) .
والمراد بحقها زكاتها كما تفسره الرواية الثانية : ( ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته ) ( الحديث ) (رواه مسلم) .
وتجب الزكاة في
الذهب والفضة سواء كانت نقودا أو تبرا أو حليا يُلْبَس أو يُعَار ، أو غير ذلك ،
لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيهما بدون تفصيل ، وعن عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم
ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسكَتَان غليظتان من ذهب ( أي : سواران غليظان
) ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :
" أتعطين زكاة هذا ؟ " قالت : لا . قال : " أيَسُرُّك أن يُسَوِّرَكِ الله بهما يوم القيامة سوارين
من نار ؟ " قال : فخلعتهما فألقتهما
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : هما لله
ورسوله ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل علي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فَتَخَات من
وُرْق ( تعني : من فضة ) , فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : " ما هذا ؟ " فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله
. قال : " أتؤدين زكاتهن ؟ " قالت
: لا ، أو ما شاء الله . قال : " هو حسبك من النار ) (أخرجه
أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه وقال : على شرط الشيخين ، وقال ابن حجر في
التلخيص : على شرط الصحيح ، وقال ابن دقيق : على شرط مسلم) .
ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ نصابا وهو عشرون دينارا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب : ( ليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا ) (رواه أبو داود وفي سنده ضعف ، لكن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن فيكون حجة ، وقد أخذ به عامة أهل العلم .) .
المراد الدينار
الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالا ، وزنة المثقال أربعة غرامات وربع ، فيكون نصاب
الذهب خمسة وثمانين غراما يعادل أحد عشر جنيها سعوديا وثلاثة أسباع الجنيه .
ولا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ نصابا وهو خمس أواقٍ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) (متفق عليه) ، والأوقيَّة أربعون درهما إسلاميا ، والدرهم سبعة أعشار مثقال فيبلغ مائة وأربعين مثقالا وهي خمسمائة وخمسة وتسعون غراما تعادل ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة ، ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر فقط . وتجب الزكاة في الأوراق النقدية لأنها بدل عن الفضة فتقوم مقامها ، فإذا بلغت نصاب الفضة وجبت فيها الزكاة ، وتجب الزكاة في الذهب والفضة والأوراق النقدية سواء كانت حاضرة عنده أم في ذمم الناس ، وعلى هذا فتجب الزكاة في الدَّيْن الثابت سواء كان قرضا أم ثمن مبيع أم أجرة أم غير ذلك ، إذا كان على مليء باذل فيُزَكِّيهِ مع ماله كل سنة أو يؤخر زكاته حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى من السنين , فإن كان على معسر أو مماطل يصعب استخراجه منه فلا زكاة عليه فيما قبلها من السنين .
ولا تجب الزكاة
فيما سوى الذهب والفضة من المعادن وإن كان أغلى منهما إلا أن يكون للتجارة
فيُزَكَّى زكاة تجارة .
* الرابع : مما تجب فيه الزكاة عروض التجارة , وهي كل ما أعده للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من جميع أصناف المال , فيُقَوِّمها كل سنة بما تساوي عند رأس الحول ويخرج رُبْع عُشْر قيمتها سواء كانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر ، ويجب على أهل البقالات والآلات وقطع الغيارات وغيرها أن يحصوها إحصاء دقيقا شاملا للصغير والكبير ويخرجوا زكاتها ، فإن شق عليهم ذلك احتاطوا وأخرجوا ما يكون به براءة ذمهم . ولا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام وشراب وفرش ومسكن وحيوانات وسيارة ولباس سوى حلي الذهب والفضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) (متفق عليه) ولا تجب الزكاة فيما أُعِدَّ للأجرة من عقارات وسيارات ونحوها ، وإنما تجب في أجرتها إذا كانت نقودا وحال عليها الحول وبلغت نصابا بنفسها أو بضمها لما عنده من جنسها .
إخواني : أدوا زكاة أموالكم وطِيبُوا بها نفسا فإنها غُنْم لا غرم
، وربح لا خسارة ، وأَحْصُوا جميع ما يلزمكم زكاته ، واسألوا الله القبول لما
أنفقتم والبركة لكم فيما أبقيتم , والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين .
|
تعليقات
إرسال تعليق