خطبة عن الحسد


خطبة عن الحسد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادى له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،(اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطى لما منعت ،ولا ينفع ذا الجدِّ منكَ الجدُّ) (1)
إن لله عبادًا فُطـــنا  ***   طلقوا الدنيا وخافوا الفتنـا
نظروا فيها فلما علموا   ***  أنها ليست لحي وطنـــا
جعلوها لُجة واتخـذوا ***  صالح الأعمال فيها سفنـا
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  الذي قال
(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(2)
بلغ العلا بكماله كشف الدجى بجماله عظمت جميع خصاله
صلوا عليه وآله
اللهم صل على سيدنا محمد وآله في الأولين وصل عليه وآله في الآخرين
وصل عليه وآله في كل وقت وحين صل اللهم وسلم وبارك عليه وآله الغر الميامين
وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
وارحم اللهم مشايخنا وعلمائنا ووالدينا وأمواتنا وأموات المسلمين أجمعين
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )(3)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (4)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (5)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
إلا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت ، فسد الجسد كله . ألا وهي القلب(6)
فهذه المضغة إما أن تكون صالحة وأسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعا
وإما والعياذ بالله تكون فاسدة
وفسادها أن يميل القلب إلى الآفات مثل الحقد والحسد وحب الدنيا والركون إليها ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين فقال:
 (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [7]
إخوة الإسلام معنا اليوم آفة من آفات القلب وهي الحسد
والحسد هو : تمني زوال النعمة عن الغير كأن يرى الرجل لأخيه نعمة أو فضلاً فيتمنى أن تزول عنه وأن تكون له دون أخيه.
ولذلك قال الله تعالى يعلم المؤمنين
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)(8)
ألا قل لمن ظل لي حاسداً            أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه       لأنك لم ترض لي ما وهب
       فأخزاك ربي بأن زادني         وسد عليك وجوه الطلب
والحسد هو من أخطر الآفات التي تفسد القلب وتصرفه عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه
فلما حسد إبليس آدم وأبى أن يسجد لآدم أخرجه الله من فضله ورحمته إلى سخطه ولعنته
وبالحسد قتل قابيل أخاه هابيل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) [9]
وبالحسد أعرض أكثر صناديد الكفر عن إتباع الأنبياء والرسل
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً [10]
وبالحسد نقم اليهود والنصارى على أمة الإسلام.
والحسد من صفات الكفار من اليهود والنصارى الذين حاولوا ولا يزالون يحاولون صرف المسلمين عن دينهم ويتمنون لو ارتد المسلمون عن إسلامهم فقد قال تعالى
(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[11]
وبالحسد تطاول أهل الهوى على أهل السنة من العلماء والدعاة وأهل الصحوة والدعوة حقدا وكراهية.
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [12]
ولقد حظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم  الأمة من هذه الآفات فقال :
(إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولاتدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)(13)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم  (دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر)(14)
 وقال صلى الله عليه وآله وسلم  (إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)(15)
ويقول القائل
تكاشرني كرهًا كأنك ناصح       وعينك تبدي أن قلبـك لي دوي
بدا منك عيب طالما قد كتمته      أذابك حتى قيل: هل أنت مكتوي؟
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  : (ثلاث من لم يَكُنَّ فيه غفر الله له ما سواه لمن شاء: من مات لا يشرك بالله شيئًا، ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه)(16)
وإذا أراد العبد النجاة من الحسد وإذا أراد الحاسد أن يعرف مقدار فضل النعمة التي يعيش فيها فعليه بقول الله تبارك وتعالى ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [17]
ولما رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أبا بكر رضي الله عنه يسبقه إلى أنواع الخيرات والعبادات قال :(ما سبقت أبا بكر إلى خير إلاّ سبقني)
 وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)(18)
قال النبي لأصحابه ذات يوم
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة) قال: فاطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا ادخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم قال أنس: كان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه وذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث مرات (يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة) فاطلعت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيق . (19)
قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [20](الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [21]
 (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(22)
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العلمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً
صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله
أما بعد
الإيمان والحسد لا يجتمعان في قلب مؤمن أبدا
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
 (لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد) (23)
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
 (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافاً، وقنَّعهُ الله بما آتاه )(24)
فعلينا أن نصلح قلوبنا وأن نطهرها من الآفات والآثام التي تهلك القلب وتوبقه، فإن الأمر كما قال القائل
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ** وإلا فإني لا أخالك ناجيا
وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) (25)
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا
وأكرم نزلنا ووسع مدخلنا واغسلنا من خطايانا
بالماء والثلج والبرد
اللهم يا سامعاً لكل شكوى ويا عالماً بكل نجوى ويا كاشفاً لكل بلوى اكشف هم المهمومين ونفّس كرب المكروبين اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك وهب لنا غنىً لا يطغينا وصحة لا تلهينا واغننا اللهم بفضلك عمن سواك
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
وارفع بفضلك رايتي الحق والدين
وصل اللهم على سيدنا ونبينا وحبيبنا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وأقم الصلاة
**********
 (1)(البخاري)
(2)(الأحزاب56)
(3)(النساء 1)
(4)(آل عمران102)
(5)(الأحزاب 71)
(6)(رواه البخاري ومسلم)
(7)(الحديد : 16)
(8)(الفلق)
(9)(المائدة : 30:27)
(10)(النساء : 54)
(11)(البقرة : 109)
(12)(الزخرف : 32)
(13)(رواه الشيخان واللفظ لمسلم)
(14)(أخرجه الترمذي )
(15)(رواه أبو داود وغيره بسند جيد )
(16)(رواه البخاري)
(17)(النساء : 32)
(18)(متفقٌ عليه وهذا لفظ مسلمٍ )
(19)(رواه أحمد 3/166)
(20)(الحشر : 10)
(21)(الرعد : 28)
(22)(النور31)
(23)(رواه ابن حبان)
(24)(أخرجه مسلم من حديث عبد الله
بن عمرو رضي الله عنهما)
(25)(رواه الشيخان)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خذي منى العفو تستديمي مودتي

تكريمه صلى الله عليه وسلم

الدعاء للطفل