في وصف النار أعاذنا الله منها
في وصف النار أعاذنا
الله منها
المجلس الخامس والعشرون :
في وصف النار أعاذنا الله منها الحمد لله الحي القيوم ، الباقي وغيره لا يدوم ، رفع السماء وزيَّنها بالنجوم ، وأمسك الأرض بجبال في التخوم ، صوَّر بقدرته هذه الجسوم ، ثم أماتها ومحا الرسوم ، ثم ينفخ في الصُّور فإذا الميت يقوم , ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السَّموم , تفتح أبوابها في وجوههم لكل باب منهم جزء مقسوم , وتوصد عليهم في عَمَد ممددة فيها للهموم والغموم ، يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فما منهم مرحوم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من للنجاة يروم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , الذي فتح الله بدينه الفرس والروم . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما هَطَلت الغيوم , وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل
عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
(الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة
الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
لقد حذرنا الله تعالى في كتابه من النار
وأخبرنا عن أنواع عذابها بما تتفطَّر منه الأكباد وتتفجر منه القلوب ، حذرنا
منها وأخبرنا عن أنواع عذابها رحمة بنا لنزداد حذرا وخوفا ، فاسمعوا ما جاء في
كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع عذابها لعلكم تذكرون ،
وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تُنْصَرُون ، قال
تعالى : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ،
وقال تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا } [
الإنسان : 4 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ]
، وقال تعالى مخاطبا إبليس : { إِنَّ عِبَادِي
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
}{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
}{ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ
مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [ الحجر : 42 - 44 ] ،
وقال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا
} [ الزمر : 71 ] ،
وقال تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }{ إِذَا
أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ }{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } [
الملك : 6 - 8 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ العنكبوت : 55 ]
، وقال تعالى : { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ
مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ
عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ } [
الزمر : 16 ] .
وقال تعالى : { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ }{ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ }{ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ }{ لَا
بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } [ الواقعة : 41 - 44 ]
، وقال تعالى : { وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي
الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا } [
التوبة : 81 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ }{ نَارٌ حَامِيَةٌ } [
القارعة : 10 - 11 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ }{ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ
ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } [ القمر : 47 - 48 ] ،
وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ
}{ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ }{ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } [
المدثر : 27 - 29 ] ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ]
، وقال تعالى : { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ
كَالْقَصْرِ }{ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ
} [ المرسلات : 32 - 33 ] ،
وقال
تعالى : { وَتَرَى
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ }{ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ
النَّارُ } [ إبراهيم : 49 - 50 ] ،
وقال تعالى : { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي
أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ } [
غافر : 71 ] .
وقال تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } [ الحج : 19 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } [ النساء : 56 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ }{ طَعَامُ الْأَثِيمِ }{ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ }{ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } [ الدخان : 43 - 46 ] ، وقال في تلك الشجرة : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ }{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 64 - 65 ] .
وقال تعالى :
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ }{ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ
مِنْ زَقُّومٍ }{ فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ }{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ
الْحَمِيمِ }{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ
} [ الواقعة : 51 - 55 ] ،
وقال تعالى : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [
الكهف : 29 ] ، وقال تعالى : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
} [ محمد : 15 ] ، وقال تعالى : { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ }{ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ
الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ
غَلِيظٌ } [ إبراهيم : 16 - 17 ] ،
وقال تعالى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ
جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }{ لَا يُفَتَّرُ
عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }{ وَمَا
ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ }{ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ
إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [ الزخرف : 74 - 77 ]
، وقال تعالى : { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [
الإسراء : 97 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ
لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا }{ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } [
النساء : 168 - 169 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ
سَعِيرًا } [ الأحزاب : 64 ]
، وقال تعالى : { إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ
وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } [ الجن : 23 ]
، وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ }{
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ }{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ }{ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ }{ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } [
الهمزة : 5 - 9 ] .
والآيات في وصف النار وأنواع عذابها الأليم الدائم كثيرة .
أما الأحاديث فعن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام ، مع
كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها ) (رواه
مسلم) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ناركم هذه ما يُوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من
نار جهنم " ، قالوا : يا رسول الله إنها لكافية ؟ قال : " إنها فُضِّلَت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها )
(متفق عليه) ، وعنه رضي الله
عنه قال : ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
فسمعنا وَجْبَة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: " أتدرون ما هذا ؟ " قلنا :
الله ورسوله أعلم . قال : " هذا حجر أرسله الله
في جهنم منذ سبعين خريفا ( يعني سبعين سنة )
فالآن حين انتهى إلى قعرها ) (رواه
مسلم) .
وقال عُتْبَة بن غزوان رضي الله عنه وهو يخطب : لقد ذُكِرَ لنا أن الحجر يُلْقَى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لَتُمْلأن أَفَعَجِبْتُم ؟ (رواه مسلم) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن قطرة من الزقوم قَطَرَت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم ) (رواه النسائي والترمذي وابن ماجه ، وأخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما )
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشِراكان من نار
يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا ، وإنه لأهونهم
عذابا ) (رواه مسلم وللبخاري نحوه) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُؤْتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيُصْبَغ في النار صبغة ثم يقال : يا بن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا ربِّ ، ويُؤْتَى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال : يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك من شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا ربِّ ما رأيت بؤسا ولا مر بي من شدة قط ) (رواه مسلم) ، يعني أن أهل النار ينسون كل نعيم مر بهم في الدنيا ، وأهل الجنة ينسون كل بؤس مر بهم في الدنيا ، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ قال : فيقول : نعم . قال : فيقول : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي ) (رواه أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه) .
وروى ابن مَرْدَوَيْهِ عن يَعْلَى ابن
مُنْيَة وهو ابن أمية ومنية أمه أنه قال : يُنْشِئ الله لأهل النار سحابة فإذا
أشرفت عليهم ناداهم : يا أهل النار أيُّ شيء تطلبون ؟ وما الذي تسألون ؟ فيذكرون
بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم ، فيقولون : نسأل يا رب الشراب ،
فيمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم ، وجمرا يُلْهِب النار
عليهم ، وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا يدخلون
الجنة : مدمن خمر وقاطع رحم ومصدِّق بالسحر ، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من
نهر الغوْطة " . قيل : وما نهر الغوطة ؟ قال : " نهر يجري من فروج
المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن ) (رواه
أحمد وصححه الحاكم وأقره الذهبي) ، وعن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( إن على الله عهدا لمن شرب الْمُسْكِرات
لَيَسْقِيه من طينة الخبال " . قالوا : يا
رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : " عَرق
أهل النار أو عصارة أهل النار ) (رواه
مسلم) . وعن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : ( يقال لليهود
والنصارى : ماذا تبغون ؟ فيقولون : عطِشنا ربَّنا فاسْقِنَا . فيُشار إليهم :
ألا تَرِدُون ؟ فيُحْشَرون إلى جهنم
كأنها سراب يحطم بعضها
بعضا فيتساقطون في النار ) (متفق
عليه) قال الحسن : ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم
خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شَرْبة حتى انقطعت أعناقهم
عطشا ، واحترقت أجوافهم جوعا ، ثم انصرف بهم إلى النار فيُسْقَون من عين آنية قد
آن حرها واشتد نضجها .
وقال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار : دار قد خُصَّ أهلها بالبعاد ، وحُرِموا لذة المنى والإسعاد ، بُدِّلَت وضاءة وجوههم بالسواد ، وضُرِبُوا بمقامع أقوى من الأطواد ، عليها ملائكة غلاط شداد ، لو رأيتهم في الحميم يسرحون ، وعلى الزمهرير يُطْرَحون ، فحزنهم دائم فما يفرحون ، مُقَامهم محتوم فما يبرحون أبد الآباد ، عليها ملائكة غلاط شداد ، توبيخهم أعظم من العذاب ، تأسُّفهم أقوى من الْمُصاب ، يبكون على تضييع أوقات الشباب ، وكلما جاد البكاء زاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، يا حسرتهم لغضب الخالق ، يا محنتهم لعِظَم البوائق ، يا فضيحتهم بين الخلائق ، على رؤوس الأشهاد ، أين كسبهم للحُطام ؟ أين سعيهم في الآثام ؟ كأنه كان أضغاث أحلام ، ثم أُحْرِقت تلك الأجسام ، وكلما أُحْرِقت تُعَاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد .
اللهم نَجِّنا من النار ،
وأَعِذْنَا من دار الخزي والبوار ، وأسْكِنَّا برحمتك دار المتقين الأبرار ،
واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|
تعليقات
إرسال تعليق