في أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه
في
أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه
المجلس الرابع
والعشرون :
في أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه الحمد لله الذي كوَّن الأشياء وأحكمها خلقا ، وفتق فأسعد وأشقى , وجعل للسعادة أسبابا فسلكها من كان أتقى , فنظر بعين البصيرة إلى العواقب فاختار ما كان أبقى ، أحمده وما أقضي له بالحمد حقا ، وأشكره ولم يزل للشكر مستحقا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مالك الرقاب كلها رقا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل البشر خُلُقًا وخَلْقًا ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الحائز فضائل الأتباع سبقا ، وعلى عمر العادل فما يحابي خلقا ، وعلى عثمان الذي استسلم للشهادة وما تَوَقَّى ، وعلى علي بائع ما يفنى ومشتري ما يبقى ، وعلى آله وأصحابه الناصرين لدين الله حقا ، وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
سمعتم أوصاف الحنة
ونعيمها وما فيها من السرور والفرح والحبور ، فوالله إنها لجديرة بأن يعمل لها
العاملون ويتنافس فيها المتنافسون ، ويُفني الإنسان عمره في طلبها زاهدا في
الدون ، فإن سألتم عن العمل لها والطريق الموصل إليها فقد بيَّنه الله فيما
أنزله من وحيه على أشرف خلقه . قال الله عز وجل : { وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }{ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ }{ وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 133 - 135 ] ، فهذه أوصاف في أهل الجنة :
* الوصف الأول : ( المتقين ) وهم الذين اتقوا ربهم باتخاذ الوقاية من عذابه بفعل ما أمرهم به طاعة له ورجاء لثوابه ، وترك ما نهاهم عنه طاعة له وخوفا من عقابه .
* الوصف الثاني : {
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ } فهم ينفقون ما
أُمِروا بإنفاقه على الوجه المطلوب منهم من الزكاة والصدقات والنفقات على من له
حق عليهم ، والنفقات في الجهاد وغيره من سبل الخير ينفقون ذلك في السراء والضراء
، لا تحملهم السراء والرخاء على حب المال والشح فيه طمعا في زيادته ، ولا تحملهم
الشدة والضراء على إمساك المال خوفا من الحاجة إليه .
الوصف الثالث : الكاظمين الغيظ وهم الحابسون لغضبهم إذا غضبوا ، فلا يعتدون ولا يحقدون على غيرهم بسببه . * الوصف الرابع : العافين عن الناس يعفون عمن ظلمهم واعتدى عليهم ، فلا ينتقمون لأنفسهم مع قدرتهم على ذلك . وفي قوله تعالى : والله يحب المحسنين إشارة إلى أن العفو لا يُمْدَح إلا إذا كان من الإحسان ، وذلك بأن يقع موقعه ويكون إصلاحا ، فأما العفو الذي تزداد به جريمة المعتدي فليس بمحمود ولا مأجور عليه ، قال الله تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ الشورى : 40 ] .
* الوصف الخامس : { وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } ، الفاحشة : ما يُسْتَفْحَش من الذنوب
وهي الكبائر كقتل النفس الْمُحَرَّمة بغير حق ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ،
وأكل مال اليتيم ، والتَّوَلِّي يوم الزحف ، والزنا ، والسرقة ، ونحوها من
الكبائر ، وأما ظلم النفس فهو أعم ، فيشمل الصغائر والكبائر ، فهم إذا فعلوا
شيئا من ذلك ذكروا عظمة من عَصَوْهُ فخافوا منه ، وذكروا مغفرته ورحمته فسعوا في
أسباب ذلك ، فاستغفروا لذنوبهم بطلب سترها والتجاوز عن العقوبة عليها . وفي قوله
: { وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
} إشارة إلى أنهم لا يطلبون المغفرة من غير الله لأنه لا يغفر الذنوب سواه .
الوصف السادس : { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي : لم يستمروا على فعل الذنب وهم يعلمون أنه ذنب ، ويعلمون عظمة من عصوه ، ويعلمون قرب مغفرته , بل يبادرون إلى الإقلاع عنه والتوبة منه ، فالإصرار على الذنوب مع هذا العلم يجعل الصغائر كبائر ويتدرج بالفاعل إلى أمور خطيرة صعبة .
وقال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }{ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ
}{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }{ أُولَئِكَ
هُمُ الْوَارِثُونَ }{ الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 1 - 11 ] ، فهذه الآيات الكريمة جمعت عدة أوصاف من أوصاف أهل الجنة
.
* الوصف الأول : ( المؤمنون ) الذين آمنوا بالله وبكل ما يجب الإيمان به من ملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره , آمَنوا بذلك إيمانا يستلزم القبول والانقياد بالقول والعمل .
* الوصف الثاني : { الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } حاضرة قلوبهم ، ساكنة جوارحهم ،
يستحضرون أنهم قائمون في صلاتهم بين يدي الله عز وجل يخاطبونه بكلامه ويتقربون
إليه بذكره ويلجؤون إليه بدعائه , فهم خاشعون بظواهرهم وبواطنهم .
* الوصف الثالث : { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } ، واللغو كل ما لا فائدة فيه ولا خير من قول أو فعل , فهم معرضون عنه لقوة عزيمتهم وشدة حزمهم ، لا يمضون أوقاتهم الثمينة إلا فيما فيه فائدة , فكما حفظوا صلاتهم بالخشوع حفظوا أوقاتهم عن الضياع , وإذا كان من وصفهم الإعراض عن اللغو وهو ما لا فائدة فيه فإعراضهم عما فيه مضرة من باب أولى . * الوصف الرابع : { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } يحتمل أن المراد بالزكاة القسط الواجب دفعه من المال الواجب زكاته , ويحتمل أن المراد بها كل ما تزكو به نفوسهم من قول أو عمل .
* الوصف الخامس : { وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }{ إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ } فهم حافظون لفروجهم عن الزنا واللواط لما فيهما من معصية
الله والانحطاط الْخُلُقي والاجتماعي , ولعل حفظ الفرج يشمل ما هو أعم من ذلك
فيشمل حفظه عن النظر واللمس أيضا ، وفي قوله : { فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ } إشارة إلى أن الأصل لوم الإنسان على هذا الفعل إلا
على الزوجة والمملوكة لما في ذلك من الحاجة إليه ؛ لدفع مقتضى الطبيعة وتحصيل
النسل وغيره من المصالح , وفي عموم قوله : { فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } دليل على تحريم
الاستمناء الذي يسمى [ العادة السرية ]
لأنه عملية في غير الزوجات
والمملوكات .
* الوصف السادس : { وَالَّذِينَ
هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } الأمانة ما يُؤْتَمَنُ
عليه من قول أو فعل أو عين , فمن حدثك بسر فقد ائتمنك , ومن فعل عندك ما لا يحب
الاطلاع عليه فقد ائتمنك , ومن سلَّمك شيئا من ماله لحفظه فقد ائتمنك ، والعهد
ما يلتزم به الإنسان لغيره كالنذر لله والعهود الجارية بين الناس ، فأهل الجنة
قائمون برعاية الأمانات والعهد فيما بينهم وبين الله وفيما بينهم وبين الخلق ، ويدخل
في ذلك الوفاء بالعقود والشروط المباحة فيها .
* الوصف السابع : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يلازمون على حفظها من الإضاعة والتفريط ، وذلك بأدائها في وقتها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وواجباتها .
وقد ذكر الله سبحانه
وتعالى أوصافا كثيرة في القرآن لأهل الجنة سوى ما نقلناه هنا ، ذكر ذلك سبحانه
ليتصف به من أراد الوصول إليها ، وفي الأحاديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء كثير : فعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سَهَّلَ الله له به طريقا
إلى الجنة ) (رواه مسلم) . وعنه أيضا أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما
يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال
: " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الْخُطَا إلى المساجد وانتظار الصلاة
بعد الصلاة ) (رواه مسلم) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فُتِحَت له أبواب
الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) (رواه مسلم) ،
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا ( فيمن تابع
المؤذن من قلبه دخل الجنة ) (رواه
مسلم) .
وعن عثمان بن عفان
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له
بيتا في الجنة ) (متفق
عليه) ، وعن عُبَادة بن
الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن
ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ) (رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي , وله طرق يُقَوِّي
بعضها بعضا) ، وعن ثوبان رضي الله
عنه أنه ( سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الله به الجنة فقال : " عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله
بها درجة وحط عنك بها خطيئة ) (رواه مسلم) ، وعن أم حبيبة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي
عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ) (رواه مسلم) . وهن أربع قبل الظهر وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب
، وركعتان بعد العشاء ، وركعتان قبل صلاة الصبح .
وعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال : " لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه :
تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج
البيت ) (رواه أحمد والترمذي
وصححه) ، وعن سهل بن سعد رضي
الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه
الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ) متفق عليه . وعن أبى هريرة
رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (متفق عليه) .
وعن جابر رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت
له الجنة البتة " . قيل : يا رسول الله
فإن كانتا اثنتين ؟ وإن كانتا اثنتين
قال : فرأى بعض القوم أن لو قال : واحدة لقال واحدة رواه أحمد وإسناده ضعيف ، لكن له شواهد صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم
: " من ابْتُلِيَ من البنات بشيء فأحسنَ إليهم
كُنَّ له سترا من النار ) (رواه مسلم) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يُدْخِل
الناس الجنة ؟ فقال : " تقوى الله وحسن الخلق )
(رواه الترمذي وابن
حبان في صحيحه ، وإسناده ليس بذلك لكن متنه صحيح) ، وعن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( أهل الجنة ثلاثة
: ذو سلطان مُقْسِط متصدِّق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ، ومسلم
عفيف متعفِّف ذو عيال ) (رواه مسلم في حديث طويل) .
فهذه أيها الإخوه طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين شيئا كثيرا من أعمال أهل الجنة لمن أراد الوصول إليها . أسأل الله أن ييسر لنا ولكم سلوكها ويثبتنا عليها إنه جواد كريم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . |
تعليقات
إرسال تعليق