في غزوة بدر المجلس الثامن عشر
الحمد لله القوي المتين ، القاهر الظاهر الملك الحق المبين ، لا يخفى على سمعه خفيف الأنين ، ولا يعزب عن بصره حركات الجنين ، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين ، وقضى القضاء بحكمته وهو أحكم الحاكمين ، أحمده حمد الشاكرين , وأسأله معونة الصابرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على العالمين , المنصور ببدر بالملائكة المنزلين , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
(الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
في هذا الشهر المبارك نصر الله المسلمين في غزوة بدر الكبرى
على أعدائهم المشركين ، وسَمَّى ذلك اليوم يوم الفرقان ؛ لأنه سبحانه فرق فيه
بين الحق والباطل بنصر رسوله والمؤمنين وخذل الكفار المشركين , كان ذلك في شهر
رمضان من السنة الثانية من الهجرة , وكان سبب هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان قد توجه من
الشام إلى مكة بِعِيرِ قريش , فدعا أصحابه إلى الخروج إليه لأخذ العير ؛ لأن
قريشا حَرْبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ,
وأصحابه ليس بينه وبينهم عهد , وقد أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وقاموا ضد دعوتهم
دعوة الحق , فكانوا مستحقين لما أراد النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه بعيرهم , فخرج النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا على فرسين وسبعين
بعيرا يعتقبونها , منهم سبعون رجلا من المهاجرين , والباقون من الأنصار , يقصدون
العير لا يريدون الحرب ، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ليقضي
الله أمرا كان مفعولا ويتم ما أراد ، فإن أبا سفيان علم بهم فبعث صارخا إلى قريش
يستنجدهم ليحموا عيرهم وترك الطريق المعتادة وسلك ساحل البحر فنجا أما قريش
فإنهم لما جاءهم الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مائة
فرس وسبعمائة بعير { بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
} [ الأنفال : 47 ] ، ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين ، فلما علم أبو
سفيان بخروجهم بعث إليهم يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب ، فأبوا
ذلك وقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدرا ونقيم فيه ثلاثا ، ننحر
الْجَزور ، ونطعم الطعام , ونسقي الخمر , وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا
أبدا .
أما رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإنه لما علم بخروج قريش جمع من معه من الصحابة فاستشارهم وقال :
" إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين : إما العير أو الجيش " ، فقام المقداد بن
الأسود وكان من المهاجرين وقال : يا رسول الله
امض لما أمرك الله عز وجل فوالله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا
قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] ، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك
, وقام سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس فقال : يا
رسول الله لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا تنصرك إلا في
ديارهم , وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت ، وصِلْ حبل من شئت ،
واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالهم ما شئت ، وأعطنا منها ما شئت , وما أخذت منا
كان أحب إلينا مما تركت , وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبع لأمرك , فوالله
لئن سرت بنا حتى تبلغ البِرَك من غَمدان لنسيرن معك , ولئن استعرضت بنا هذا
البحر فخضته لنخوضنه معك , وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا , إننا لصبر عند
الحرب ، صُدْقٌ عند اللقاء ، ولعل الله يُرِيكَ منا ما تقر به عينك .
فَسُرَّ النبي صلى الله عليه
وسلم لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، وقال : " سيروا وأبشروا فوالله لَكَأَنِّي أنظر إلى مصارع القوم
" ، فسار النبي صلى الله عليه وسلم
بجنود الرحمن حتى نزلوا أدنى ماء من مياه بدر ، فقال له الحباب بن المنذر بن
عمرو بن الجموح : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ؟ أمنزل أَنْزَلَكَهُ الله ليس
لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل هو الرأي والحرب والمكيدة " فقال : يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ، فانهض بنا حتى
نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونُغَوِّر ما وراءه من القُلُب ثم نبني عليه حوضا
فنملأه فنشرب ولا يشربون ، فاستحسن النبي صلى الله
عليه وسلم هذا الرأي ونهض هذه القصة أعني نزولهم أدنى ماء من مياه بدر
وإشارة الحباب ضعيفة جدا سندا ومتنا . فنزل بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة
وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة ، وأنزل الله تلك الليلة مطرا كان على
المشركين وابلا شديدا ووحلا زلقا يمنعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طَلًّا
طهرهم ووطَّأ لهم الأرض وشد الرمل ومهد المنزل وثبت الأقدام .
وبنى المسلمون لرسول الله
صلى الله عليه وسلم عريشا على تل مُشْرِف على ميدان الحرب ، ثم نزل صلى الله عليه وسلم من العريش فسوى صفوف أصحابه ،
ومشى في موضع المعركة ، وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ومحلات قتلهم ، يقول
: " هذا مصرع فلان إن شاء الله ، هذا مصرع
فلان " ، فما جاوز أحد منهم موضع إشارته ، ثم نظر صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وإلى قريش فقال :
" اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها
تُحَادُّك وتكذب رسولك ، اللهم نصرك الذي وعدتني ، اللهم أنجز لي ما وعدتني ،
اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تُعْبَد ، اللهم إن تهلك هذه
العصابة اليوم لا تُعْبَد " ، واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه
فاستجاب لهم : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى
الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ
وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }{ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }{ ذَلِكُمْ
فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } [ الأنفال : 12 - 14 ] ثم تقابل الجمعان , وحَمِيَ الوطيس واستدارت رَحَي الحرب
, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش
، ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه ، فما زال صلى
الله عليه وسلم يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه ، فأغفى إغفاءة ثم خرج يقول
: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
} [ القمر : 45 ] ، وحَرَّضَ أصحابه على القتال وقال : " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقْتَل صابرا
محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة " ، فقام عمير بن
الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن فقال : يا رسول الله جنةً عرضها السماوات
والأرض ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم
" ، قال : بَخٍ بَخٍ يا رسول الله ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن
يقتلني هؤلاء , لئن حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، ثم ألقى
التمرات وقاتل حتى قُتِلَ رضي الله عنه .
وأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم كفا من تراب أو حصا فرمى بها القوم فأصابت أعينهم ، فما منهم
واحد إلا ملأت عينه وشُغِلوا بالتراب في أعينهم , آيةً من آيات الله عز وجل ,
فهُزِمَ جمعُ المشركين , وولوا الأدبار , واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون
فقتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين ، أما القتلى فأُلْقِيَ منهم أربعة وعشرون رجلا
من صناديدهم في قليب من قلبان بدر , منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وأخوه عتبة
وابنه الوليد بن عتبة , عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة فدعا على
هؤلاء الأربعة قال : " فأشهد بالله لقد
رأيتُهم صرعى قد غَيَّرتهم الشمسُ » ( رواه البخاري ),
وكان يوما حارا , وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين
رجلا من صناديد قريش فقُذِفوا في طَويٍّ من أطواء بدر خبيث مُخبث ، وكان إذا ظهر
على قوم أقام بالعَرْصة ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته
فشُدَّ عليها ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شَفَة الرَّكِي فجعل يُناديهم
بأسمائهم وأسماء آبائهم : " يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ،
أَيَسُرُّكم أنكم أطعتم الله.
ورسوله , فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما
وعدكم ربكم حقا ؟ " قال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها
؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " .
وأما الأسرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة فيهم , وكان سعد بن معاذ قد ساءه أمرهم وقال : كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين وكان الإثخان في الحرب أحب إلي من استبقاء الرجال . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه , وتمكنني من فلان - يعني قريبا له - فأضرب عنقه , فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها .
وقال أبو بكر رضي الله عنه : هم بنو العم والعشيرة وأرى
أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام ،
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفدية ،
فكان أكثرهم يفتدي بالمال من أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم ، ومنهم من افتدى
بتعليم صبيان أهل المدينة الكتابة والقراءة ، ومنهم من كان فداؤه إطلاق مأسور
عند قريش من المسلمين , ومنهم من قتله النبي صلى
الله عليه وسلم صبرا لشدة أذيته , ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بدون فداء
للمصلحة .
هذه غزوة بدر انتصرت فيها فئة قليلة عن فئة كثيرة { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } [ آل عمران : 13 ] , انتصرت الفئة القليلة لأنها قائمة بدين الله تقاتل لإعلاء كلمته والدفاع عن دينه فنصرها الله عز وجل ، فقوموا بدينكم أيها المسلمون لِتُنْصَروا على أعدائكم , واصبروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون . اللهم انصرنا بالإسلام واجعلنا من أنصاره والدعاة إليه ، وثبتنا عليه إلى أن نلقاك ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . |
الخطب والمواعظ وتجويد القران الكريم ومقاطع الفديو الارشادية لتعليم الحج والعمرة والحديث والفقة
الأحد، 28 يونيو 2015
في غزوة بدر
السبت، 27 يونيو 2015
في أهل الزكاة
|
في أهل الزكاة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا الحمد
لله الذي لا رافع لما وضع ، ولا واضع لما رفع ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما
منع ، ولا قاطع لما وصل ، ولا واصل لما قطع ، فسبحانه من مُدَبِّر عظيم ، وإله
حكيم رحيم ، فبحكمته وقع الضرر وبرحمته نفع ، أحمده على جميع أفعاله ، وأشكره
على واسع إقباله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أحكم ما شرع
وأبدع ما صنع ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
، أرسله والكفر قد علا وارتفع ، وصال واجتمع ، فأهبطه من عليائه وقمع ، وفرَّق
من شَرِّهِ ما اجتمع ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي نَجَمَ نَجْمُ
شجاعته يوم الردة وطلع ، وعلى عمر الذي عز به الإسلام وامتنع ، وعلى عثمان
المقتول ظلما وما ابتدع ، وعلى علي الذي دحض الكفر بجهاده وقمع ، وعلى جميع آله
وأصحابه ما سجد مُصَلٍّ وركع ، وسلم تسليما .
أما بعد ... فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ ) (آل
عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
المجلس
السابع عشر :
في أهل الزكاة
قال الله تعالى :
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي
الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 60 ] .
في هذه الآية الكريمة بَيَّن الله تعالى مصارف الزكاة وأهلها المستحِقِّين لها بمقتضى علمه وحكمته وعدله ورحمته ، وحصرها في هؤلاء الأصناف الثمانية ، وبين أن صرفها فيهم فريضة لازمة ، وأن هذه القسمة صادرة عن علم الله وحكمته ، فلا يجوز تَعَدِّيها وصرف الزكاة في غيرها ؛ لأن الله تعالى أعلم بمصالح خلقه وأحكم في وضع الشيء في موضعه { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] .
* فالصنف الأول والثاني : الفقراء والمساكين وهم الذين
لا يجدون كفايتهم ، وكفاية عائلتهم لا من نقود حاضرة ، ولا من رواتب ثابتة ، ولا
من صناعة قائمة ، ولا من غلة كافية ، ولا من نفقات على غيرهم واجبة ، فهم في
حاجة إلى مواساة ومعونة ، قال العلماء : فيُعْطَوْن من الزكاة ما يكفيهم
وعائلتهم لمدة سنة كاملة حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية ، ويعطى الفقير لزواج
يحتاج إليه ما يكفي لزواجه ، وطالب العلم الفقير لشراء كتب يحتاجها ، ويعطى من
له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يُكَمِّل كفايتهم لأنه ذو حاجة ، وأما من
كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها ، بل الواجب نصحه وتحذيره من
سؤال ما لا يحل له ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس في
وجهه مُزْعَة لحم ) (متفق
عليه) . وعن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سأل الناس
أموالهم تَكَثُّرًا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر ) (رواه مسلم) .
وعن حكيم بن حزام
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( إن هذا المال
خَضِرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له
فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى ) (متفق عليه)
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ) (رواه أحمد , وروى نحوه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري وقال : حسن صحيح) ، وإن سأل الزكاة شخص وعليه علامة الغنى عنها وهو مجهول الحال جاز إعطاؤه منها بعد إعلامه أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجلان يسألانه فقَلَّب فيهما البصر فرآهما جلدين فقال : " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وقال أحمد : ما أجوده من حديث )
* الصنف الثالث من أهل الزكاة : العاملون عليها وهم الذين يُنَصِّبهم ولاة الأمور لجباية الزكاة من
أهلها وحفظها وتصريفها ، فيُعْطَوْن منها بقدر عملهم وإن كانوا أغنياء ، وأما
الوكلاء لفرد من الناس في توزيع زكاته فليسوا من العاملين عليها فلا يستحقون
منها شيئا من أجل وكالتهم فيها ، لكن إن تبرعوا في تفريقها على أهلها بأمانة
واجتهاد كانوا شركاء في أجرها ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( الخازن المسلم الأمين الذي يُنَفِّذ ) ، أو قال : (
يعطي ما أُمِرَ به كاملا موفَّرا طيبا به نفسه ،
فيدفعه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين ) (رواه البخاري) ، وإن لم يتبرعوا بتفريقها أعطاهم صاحب المال من ماله لا من الزكاة .
* الصنف الرابع : المؤَلَّفة قلوبهم وهم ضعفاء الإيمان أو من يُخْشَى شرُّهم ، فيعطون من الزكاة ما يكون به تقوية إيمانهم أو دفع شرهم إذا لم يندفع إلا بإعطائهم .
* الصنف الخامس : الرقاب وهم الْأَرِقَّاء المكاتَبون
الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم ، فيعطون من الزكاة ما يوفون به أسيادهم
ليحرِّروا بذلك أنفسهم ، ويجوز أن يُشْتَرَى عبدٌ فيُعْتَق وأن يُفَك بها مسلم
من الأسر لأن هذا داخل في عموم الرقاب .
* الصنف السادس : الغارمون الذين يتحملون غرامة وهم نوعان : * أحدهما : من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين وإطفاء الفتنة فيعطى من الزكاة بقدر حمالته تشجيعا له على هذا العمل النبيل الذي به تأليف المسلمين وإصلاح ذات بينهم وإطفاء الفتنة وإزالة الأحقاد والتنافر ، عن قبيصة الهلالي قال : ( تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " . ثم قال : " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ) ، وذكر تمام الحديث (رواه مسلم) . * الثاني : من تحمل حمالة في ذمته لنفسه وليس عنده وفاء فيُعْطَى من الزكاة ما يُوَفِّي به دينه وإن كثر أو يوفي طالبه وإن لم يسلَّم للمطلوب ؛ لأن تسليمه للطالب يحصل به المقصود من تبرئة ذمة المطلوب .
* الصنف السابع : في سبيل الله وهو الجهاد في سبيل الله
الذي يُقْصَد به أن تكون كلمة الله هي العليا لا لحمية ولا لعصبية ، فيُعْطَى
المجاهد بهذه النية ما يكفيه لجهاده من الزكاة ، أو يُشْتَرَى بها سلاح وعتاد
للمجاهدين في سبيل الله لحماية الإسلام والذود عنه وإعلاء كلمة الله سبحانه
.
* الصنف الثامن : ابن السبيل وهو المسافر الذي انقطع به
السفر ونفد ما في يده فيُعْطَى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنيا فيها
ووجد من يقرضه ، لكن لا يجوز أن يستصحب معه نفقة قليلة لأجل أن يأخذ من الزكاة
إذا نفدت لأنه حيلة على أخذ ما لا يستحق ، ولا تُدْفَع الزكاة للكافر إلا أن
يكون من المؤلَّفة قلوبهم ، ولا تدفع لغني عنها بما يكفيه من تجارة أو صناعة أو
حرفة أو راتب أو مَغَلٍّ أو نفقة واجبة إلا أن يكون من العاملين عليها ، أو
المجاهدين في سبيل الله ، أو الغارمين لإصلاح ذات البين ، ولا تدفع الزكاة في
إسقاط واجب سواها ، فلا تدفع للضيف بدلا عن ضيافته ، ولا لمن تجب نفقته من زوجة
أو قريب بدلا عن نفقتهما ، ويجوز دفعها للزوجة والقريب فيما سوى النفقة الواجبة
، فيجوز أن يقضي بها دينا عن زوجته لا تستطيع وفاءه ، وأن يقضي بها عن والديه أو
أحد من أقاربه دينا لا يستطع وفاءه ، ويجوز أن يدفع الزكاة لأقاربه في سداد
نفقتهم إذا لم تكن واجبة عليه لكون ماله لا يتحمل الإنفاق عليهم أو نحو ذلك ،
ويجوز دفع الزوجة زكاتها لزوجها في قضاء دين عليه ونحوه ؛ وذلك لأن الله سبحانه
علق استحقاق الزكاة بأوصاف عامة تشمل
من ذكرنا وغيرهم ،
فمن اتصف بها كان مستحقا ، وعلى هذا فلا يخرج أحد منها إلا بنص أو إجماع ، فعن
زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود ( أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر النساء
بالصدقة ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به ،
فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق مَنْ تصدَّقْتُ به عليهم ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم )
(متفق عليه) . وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( الصدقة على الفقير صدقة وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة )
(رواه النسائي والترمذي وابن خزيمة
والحاكم ، وقال : صحيح الإسناد .) ،
وذوو الرحم هم القرابة قربوا أم بعدوا .
ولا يجوز أن
يُسْقِط الدَّيْن عن الفقير وينويه عن الزكاة لأن الزكاة أخذ وإعطاء . قال الله
تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [
التوبة : 103 ] . وقال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على
فقرائهم ) ، وإسقاط الدين عن الفقير ليس أخذا ولا ردا ، ولأن ما في ذمة
الفقير دين غائب لا يتصرف فيه فلا يُجْزِئ عن مال حاضر يتصرف فيه ، ولأن الدين
أقل في النفس من الحاضر وأدنى ، فأداؤه عنه كأداء الرديء عن الجيد ، وإذا اجتهد
صاحب الزكاة فدفعها لمن يظن أنه من أهلها فتبين بخلافه فإنها تجزئه ؛ لأنه اتقى
الله ما استطاع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( قال رجل : والله لَأَتَصَدَّقَنَّ ( فذكر الحديث وفيه : ) فوضع صدقته في يد غني ،
فأصبح الناس يتحدثون : تُصُدِّقَ على غني ، فقال : الحمد لله على غني ، فأتي
فقيل : أما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ) (متفق عليه) ، وفي رواية لمسلم : ( أما صدقتك فقد تُقُبِّلَتْ ) ، وعن معن بن يزيد رضي الله عنه قال : (
كان أبي يُخْرِج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد ، فجئت فأخذتها
فأتيته بها ، فقال : والله ما إياك أردت فخاصمتُه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لك ما نويتَ يا يزيد ، ولك ما أخذتَ يا معن ) (رواه البخاري) .
إخواني : إن الزكاة لا تجزئ ولا تُقْبَل حتى توضع في المحل الذي وضعها الله فيه ، فاجتهدوا رحمكم الله فيها واحرصوا على أن تقع موقعها وتحل محلها ؛ لتُبْرِئوا ذممكم وتُطَهِّروا أموالكم ، وتُنَفِّذوا أمر ربكم ، وتُقْبَل صدقاتكم ، والله الموفِّق ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . |
الجمعة، 26 يونيو 2015
زكاة أموالكم
|
المجلس
السادس عشر:
في الزكاة الحمد لله الذي يمحو الزَّلَل ويصفح , ويغفر الخَطَل ويسمح ، كل من لاذ به أفلح , وكل من عامله يربح ، رفع السماء بغير عمد فتأملْ والمح ، وأنزل القطر فإذا الزرع في الماء يسبح ، والمواشي بعد الجدب في الخصب تسرح ، وأقام الوُرْق على الوُرْق تُسَبِّح ، أغنى وأفقر وربما كان الفقر أصلح ، فكم من غني طرحه الأشر والبطر أقبح مطرح ، هذا قارون مَلَكَ الكثير لكنه بالقليل لم يسمح ، نُبِّه فلم يستيقظ وَلِيمَ فلم ينفعه اللوم إذ قال له قومه : لا تفرح ، أحمده ما أمسى النهار وما أصبح ، وأشهد أن لا إله إلا الله الغني الجواد مَنَّ بالعطاء الواسع وأفسح , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاد لله بنفسه وماله وأبان الحق وأوضح ، صلى الله عليه وعلى أصحابه أبي بكر الذي لازمه حضرا وسفرا ولم يبرح , وعلى عمر الذي لم يزل في إعزاز الدين يكدح , وعلى عثمان الذي أنفق الكثير في سبيل الله وأصلح , وعلى علي ابن عمه وأبرأ ممن يغلو فيه أو يقدح , وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان , وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب
71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إخواني : قال الله
تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [
البينة : 5 ] ، وقال تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } [
المزمل : 20 ] ، وقال تعالى : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } [
الروم : 39 ] ، والآيات في وجوب
الزكاة وفَرْضِيَّتها كثيرة ، وأما الأحاديث فمنها ما رُوِيَ عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( بُنِيَ الإسلام على خمس : على أن يُوَحَّدَ
اللهُ , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصيام رمضان , والحج , فقال رجل : الحج
وصيام رمضان ؟ قال : لا . قال : صيام رمضان والحج ) ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه
مسلم) . وفي رواية : ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) (
الحديث بمعناه ) .
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام , وهي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل , وقد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعا قطعيا , فمن أنكر وجوبها مع علمه به فهو كافر خارج عن الإسلام , ومن بخل بها أو انتقص منها شيئا فهو من الظالمين المتعرضين للعقوبة والنكال ، وتجب الزكاة في أربعة أشياء :
* الأول : الخارج من الأرض من الحبوب والثمار لقوله
تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ } [ البقرة 267 ] ، وقوله سبحانه : { وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] ، وأعظم حقوق المال الزكاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فيما سقت السماء أو كان عَثَريا العُشْر ، وفيما سُقِيَ
بالنضح نصف العشر ) (رواه البخاري) ، ولا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ نصابا وهو خمسة أوْسق ,
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس في حَبٍّ ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ) (رواه
مسلم) . والوَسَق ستون صاعا
بصاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي تبلغ
زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جراما , أي : كيلوين وخمسيْ عُشر الكيلو , ولا
زكاة فيما دونها , ومقدار الزكاة فيها العُشْر كاملا فيما سُقِيَ بدون كُلْفة
ونصفه فيما سُقِيَ بكلفة, ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات والبطيخ ونحوها ,
لقول عمر :
ليس في الخضروات صدقة ، وقول علي : ليس في التفاح وما أشبه صدقة ، ولأنها ليست بحب ولا ثمر ، لكن إذا باعها بدراهم وحال الحول على ثمنها ففيه الزكاة .
* الثاني : بهيمة الأنعام
وهي الإبل والبقر والغنم ضأنا كانت أم معزا إذا كانت سائمة وأُعِدَّت للدَّر
والنسل وبلغت نصابا ، وأقل النصاب في الإبل خمسون ، وفي البقر ثلاثون ، وفي
الغنم أربعون ، والسائمة هي التي ترعى الكلأ النابت بدون بذر آدمي كل السنة أو
أكثرها ، فإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها ، إلا أن تكون للتجارة ، وإن أُعِدَّت
للتكسب بالبيع والشراء والمناقلة فيها فهي عروضُ تجارةٍ تُزَكَّى زكاةَ تجارةٍ
سواء كانت سائمة أو معلفة إذا بلغت نصاب التجارة بنفسها أو بضمها إلى تجارته .
* الثالث : الذهب
والفضة على أي حال كانت لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }{ يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا
كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 34 - 35 ] ، والمراد بكنزها عدم إنفاقها في سبيل الله ، وأعظم
الإنفاق في سبيل الله إنفاقها في الزكاة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم ، فيُكْوَى
بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يُقْضَى بين العباد ) (رواه مسلم) .
والمراد بحقها زكاتها كما تفسره الرواية الثانية : ( ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته ) ( الحديث ) (رواه مسلم) .
وتجب الزكاة في
الذهب والفضة سواء كانت نقودا أو تبرا أو حليا يُلْبَس أو يُعَار ، أو غير ذلك ،
لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيهما بدون تفصيل ، وعن عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم
ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسكَتَان غليظتان من ذهب ( أي : سواران غليظان
) ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :
" أتعطين زكاة هذا ؟ " قالت : لا . قال : " أيَسُرُّك أن يُسَوِّرَكِ الله بهما يوم القيامة سوارين
من نار ؟ " قال : فخلعتهما فألقتهما
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : هما لله
ورسوله ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل علي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فَتَخَات من
وُرْق ( تعني : من فضة ) , فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : " ما هذا ؟ " فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله
. قال : " أتؤدين زكاتهن ؟ " قالت
: لا ، أو ما شاء الله . قال : " هو حسبك من النار ) (أخرجه
أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه وقال : على شرط الشيخين ، وقال ابن حجر في
التلخيص : على شرط الصحيح ، وقال ابن دقيق : على شرط مسلم) .
ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ نصابا وهو عشرون دينارا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب : ( ليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا ) (رواه أبو داود وفي سنده ضعف ، لكن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن فيكون حجة ، وقد أخذ به عامة أهل العلم .) .
المراد الدينار
الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالا ، وزنة المثقال أربعة غرامات وربع ، فيكون نصاب
الذهب خمسة وثمانين غراما يعادل أحد عشر جنيها سعوديا وثلاثة أسباع الجنيه .
ولا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ نصابا وهو خمس أواقٍ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) (متفق عليه) ، والأوقيَّة أربعون درهما إسلاميا ، والدرهم سبعة أعشار مثقال فيبلغ مائة وأربعين مثقالا وهي خمسمائة وخمسة وتسعون غراما تعادل ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة ، ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر فقط . وتجب الزكاة في الأوراق النقدية لأنها بدل عن الفضة فتقوم مقامها ، فإذا بلغت نصاب الفضة وجبت فيها الزكاة ، وتجب الزكاة في الذهب والفضة والأوراق النقدية سواء كانت حاضرة عنده أم في ذمم الناس ، وعلى هذا فتجب الزكاة في الدَّيْن الثابت سواء كان قرضا أم ثمن مبيع أم أجرة أم غير ذلك ، إذا كان على مليء باذل فيُزَكِّيهِ مع ماله كل سنة أو يؤخر زكاته حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى من السنين , فإن كان على معسر أو مماطل يصعب استخراجه منه فلا زكاة عليه فيما قبلها من السنين .
ولا تجب الزكاة
فيما سوى الذهب والفضة من المعادن وإن كان أغلى منهما إلا أن يكون للتجارة
فيُزَكَّى زكاة تجارة .
* الرابع : مما تجب فيه الزكاة عروض التجارة , وهي كل ما أعده للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من جميع أصناف المال , فيُقَوِّمها كل سنة بما تساوي عند رأس الحول ويخرج رُبْع عُشْر قيمتها سواء كانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر ، ويجب على أهل البقالات والآلات وقطع الغيارات وغيرها أن يحصوها إحصاء دقيقا شاملا للصغير والكبير ويخرجوا زكاتها ، فإن شق عليهم ذلك احتاطوا وأخرجوا ما يكون به براءة ذمهم . ولا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام وشراب وفرش ومسكن وحيوانات وسيارة ولباس سوى حلي الذهب والفضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) (متفق عليه) ولا تجب الزكاة فيما أُعِدَّ للأجرة من عقارات وسيارات ونحوها ، وإنما تجب في أجرتها إذا كانت نقودا وحال عليها الحول وبلغت نصابا بنفسها أو بضمها لما عنده من جنسها .
إخواني : أدوا زكاة أموالكم وطِيبُوا بها نفسا فإنها غُنْم لا غرم
، وربح لا خسارة ، وأَحْصُوا جميع ما يلزمكم زكاته ، واسألوا الله القبول لما
أنفقتم والبركة لكم فيما أبقيتم , والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين .
|
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
اصحاب الاعراف
أي: وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له: { الأَعْرَاف } لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر مِنْ عليه حالُ الفريقين، ...
-
خطبة عن استقبال رمضان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إ نه من يهده الله فلا ...
-
خطبة عن فضل القرآن إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إ نه من يهده الله فلا مض...
-
تكريمه صلى الله عليه وسلم بالنبوة وهو في مراحل خلق آدم : فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الل...