|
في
أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه
المجلس الرابع
والعشرون :
في أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه الحمد لله الذي كوَّن الأشياء وأحكمها خلقا ، وفتق فأسعد وأشقى , وجعل للسعادة أسبابا فسلكها من كان أتقى , فنظر بعين البصيرة إلى العواقب فاختار ما كان أبقى ، أحمده وما أقضي له بالحمد حقا ، وأشكره ولم يزل للشكر مستحقا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مالك الرقاب كلها رقا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل البشر خُلُقًا وخَلْقًا ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الحائز فضائل الأتباع سبقا ، وعلى عمر العادل فما يحابي خلقا ، وعلى عثمان الذي استسلم للشهادة وما تَوَقَّى ، وعلى علي بائع ما يفنى ومشتري ما يبقى ، وعلى آله وأصحابه الناصرين لدين الله حقا ، وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
سمعتم أوصاف الحنة
ونعيمها وما فيها من السرور والفرح والحبور ، فوالله إنها لجديرة بأن يعمل لها
العاملون ويتنافس فيها المتنافسون ، ويُفني الإنسان عمره في طلبها زاهدا في
الدون ، فإن سألتم عن العمل لها والطريق الموصل إليها فقد بيَّنه الله فيما
أنزله من وحيه على أشرف خلقه . قال الله عز وجل : { وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }{ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ }{ وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 133 - 135 ] ، فهذه أوصاف في أهل الجنة :
* الوصف الأول : ( المتقين ) وهم الذين اتقوا ربهم باتخاذ الوقاية من عذابه بفعل ما أمرهم به طاعة له ورجاء لثوابه ، وترك ما نهاهم عنه طاعة له وخوفا من عقابه .
* الوصف الثاني : {
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ } فهم ينفقون ما
أُمِروا بإنفاقه على الوجه المطلوب منهم من الزكاة والصدقات والنفقات على من له
حق عليهم ، والنفقات في الجهاد وغيره من سبل الخير ينفقون ذلك في السراء والضراء
، لا تحملهم السراء والرخاء على حب المال والشح فيه طمعا في زيادته ، ولا تحملهم
الشدة والضراء على إمساك المال خوفا من الحاجة إليه .
الوصف الثالث : الكاظمين الغيظ وهم الحابسون لغضبهم إذا غضبوا ، فلا يعتدون ولا يحقدون على غيرهم بسببه . * الوصف الرابع : العافين عن الناس يعفون عمن ظلمهم واعتدى عليهم ، فلا ينتقمون لأنفسهم مع قدرتهم على ذلك . وفي قوله تعالى : والله يحب المحسنين إشارة إلى أن العفو لا يُمْدَح إلا إذا كان من الإحسان ، وذلك بأن يقع موقعه ويكون إصلاحا ، فأما العفو الذي تزداد به جريمة المعتدي فليس بمحمود ولا مأجور عليه ، قال الله تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ الشورى : 40 ] .
* الوصف الخامس : { وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } ، الفاحشة : ما يُسْتَفْحَش من الذنوب
وهي الكبائر كقتل النفس الْمُحَرَّمة بغير حق ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ،
وأكل مال اليتيم ، والتَّوَلِّي يوم الزحف ، والزنا ، والسرقة ، ونحوها من
الكبائر ، وأما ظلم النفس فهو أعم ، فيشمل الصغائر والكبائر ، فهم إذا فعلوا
شيئا من ذلك ذكروا عظمة من عَصَوْهُ فخافوا منه ، وذكروا مغفرته ورحمته فسعوا في
أسباب ذلك ، فاستغفروا لذنوبهم بطلب سترها والتجاوز عن العقوبة عليها . وفي قوله
: { وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
} إشارة إلى أنهم لا يطلبون المغفرة من غير الله لأنه لا يغفر الذنوب سواه .
الوصف السادس : { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي : لم يستمروا على فعل الذنب وهم يعلمون أنه ذنب ، ويعلمون عظمة من عصوه ، ويعلمون قرب مغفرته , بل يبادرون إلى الإقلاع عنه والتوبة منه ، فالإصرار على الذنوب مع هذا العلم يجعل الصغائر كبائر ويتدرج بالفاعل إلى أمور خطيرة صعبة .
وقال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }{ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ
}{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ }{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }{ أُولَئِكَ
هُمُ الْوَارِثُونَ }{ الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 1 - 11 ] ، فهذه الآيات الكريمة جمعت عدة أوصاف من أوصاف أهل الجنة
.
* الوصف الأول : ( المؤمنون ) الذين آمنوا بالله وبكل ما يجب الإيمان به من ملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره , آمَنوا بذلك إيمانا يستلزم القبول والانقياد بالقول والعمل .
* الوصف الثاني : { الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } حاضرة قلوبهم ، ساكنة جوارحهم ،
يستحضرون أنهم قائمون في صلاتهم بين يدي الله عز وجل يخاطبونه بكلامه ويتقربون
إليه بذكره ويلجؤون إليه بدعائه , فهم خاشعون بظواهرهم وبواطنهم .
* الوصف الثالث : { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } ، واللغو كل ما لا فائدة فيه ولا خير من قول أو فعل , فهم معرضون عنه لقوة عزيمتهم وشدة حزمهم ، لا يمضون أوقاتهم الثمينة إلا فيما فيه فائدة , فكما حفظوا صلاتهم بالخشوع حفظوا أوقاتهم عن الضياع , وإذا كان من وصفهم الإعراض عن اللغو وهو ما لا فائدة فيه فإعراضهم عما فيه مضرة من باب أولى . * الوصف الرابع : { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } يحتمل أن المراد بالزكاة القسط الواجب دفعه من المال الواجب زكاته , ويحتمل أن المراد بها كل ما تزكو به نفوسهم من قول أو عمل .
* الوصف الخامس : { وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }{ إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ } فهم حافظون لفروجهم عن الزنا واللواط لما فيهما من معصية
الله والانحطاط الْخُلُقي والاجتماعي , ولعل حفظ الفرج يشمل ما هو أعم من ذلك
فيشمل حفظه عن النظر واللمس أيضا ، وفي قوله : { فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ } إشارة إلى أن الأصل لوم الإنسان على هذا الفعل إلا
على الزوجة والمملوكة لما في ذلك من الحاجة إليه ؛ لدفع مقتضى الطبيعة وتحصيل
النسل وغيره من المصالح , وفي عموم قوله : { فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } دليل على تحريم
الاستمناء الذي يسمى [ العادة السرية ]
لأنه عملية في غير الزوجات
والمملوكات .
* الوصف السادس : { وَالَّذِينَ
هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } الأمانة ما يُؤْتَمَنُ
عليه من قول أو فعل أو عين , فمن حدثك بسر فقد ائتمنك , ومن فعل عندك ما لا يحب
الاطلاع عليه فقد ائتمنك , ومن سلَّمك شيئا من ماله لحفظه فقد ائتمنك ، والعهد
ما يلتزم به الإنسان لغيره كالنذر لله والعهود الجارية بين الناس ، فأهل الجنة
قائمون برعاية الأمانات والعهد فيما بينهم وبين الله وفيما بينهم وبين الخلق ، ويدخل
في ذلك الوفاء بالعقود والشروط المباحة فيها .
* الوصف السابع : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يلازمون على حفظها من الإضاعة والتفريط ، وذلك بأدائها في وقتها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وواجباتها .
وقد ذكر الله سبحانه
وتعالى أوصافا كثيرة في القرآن لأهل الجنة سوى ما نقلناه هنا ، ذكر ذلك سبحانه
ليتصف به من أراد الوصول إليها ، وفي الأحاديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء كثير : فعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سَهَّلَ الله له به طريقا
إلى الجنة ) (رواه مسلم) . وعنه أيضا أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما
يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال
: " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الْخُطَا إلى المساجد وانتظار الصلاة
بعد الصلاة ) (رواه مسلم) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فُتِحَت له أبواب
الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) (رواه مسلم) ،
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا ( فيمن تابع
المؤذن من قلبه دخل الجنة ) (رواه
مسلم) .
وعن عثمان بن عفان
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له
بيتا في الجنة ) (متفق
عليه) ، وعن عُبَادة بن
الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن
ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ) (رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي , وله طرق يُقَوِّي
بعضها بعضا) ، وعن ثوبان رضي الله
عنه أنه ( سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الله به الجنة فقال : " عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله
بها درجة وحط عنك بها خطيئة ) (رواه مسلم) ، وعن أم حبيبة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي
عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ) (رواه مسلم) . وهن أربع قبل الظهر وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب
، وركعتان بعد العشاء ، وركعتان قبل صلاة الصبح .
وعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال : " لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه :
تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج
البيت ) (رواه أحمد والترمذي
وصححه) ، وعن سهل بن سعد رضي
الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه
الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ) متفق عليه . وعن أبى هريرة
رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (متفق عليه) .
وعن جابر رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت
له الجنة البتة " . قيل : يا رسول الله
فإن كانتا اثنتين ؟ وإن كانتا اثنتين
قال : فرأى بعض القوم أن لو قال : واحدة لقال واحدة رواه أحمد وإسناده ضعيف ، لكن له شواهد صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم
: " من ابْتُلِيَ من البنات بشيء فأحسنَ إليهم
كُنَّ له سترا من النار ) (رواه مسلم) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يُدْخِل
الناس الجنة ؟ فقال : " تقوى الله وحسن الخلق )
(رواه الترمذي وابن
حبان في صحيحه ، وإسناده ليس بذلك لكن متنه صحيح) ، وعن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( أهل الجنة ثلاثة
: ذو سلطان مُقْسِط متصدِّق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ، ومسلم
عفيف متعفِّف ذو عيال ) (رواه مسلم في حديث طويل) .
فهذه أيها الإخوه طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين شيئا كثيرا من أعمال أهل الجنة لمن أراد الوصول إليها . أسأل الله أن ييسر لنا ولكم سلوكها ويثبتنا عليها إنه جواد كريم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . |
الخطب والمواعظ وتجويد القران الكريم ومقاطع الفديو الارشادية لتعليم الحج والعمرة والحديث والفقة
السبت، 4 يوليو 2015
في أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه
الجمعة، 3 يوليو 2015
في وصف الجنة جعلنا الله من أهلها
في وصف
الجنة جعلنا الله من أهلها
المجلس الثالث
والعشرون :
في وصف الجنة جعلنا الله من أهلها الحمد لله مبلِّغ الراجي فوق مأموله ، ومعطي السائل زيادة على سُؤْله ، المنان على التائب بصفحه وقبوله ، خلق الإنسان وأنشأ دارا لحلوله ، وجعل الدنيا مرحلة لنزوله ، فتوطنها من لم يعرف شرف الأخرى لخموله ، فأخذ منها كارها قبل بلوغ مأموله ، ولم يُغْنه ما كسبه من مال وولد حتى انهزم في فلوله , أوما ترى غربان البين تنوح على طلوله ، أما الموفَّق فعرف غرورها فلم ينخدع بمثوله ، وسابق إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض أُعِدَّت للذين آمنوا بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عارف بالدليل وأصوله ، وأشهد أن محمدا عنده ورسوله ، ما تردد النسيم بين شماله وجنوبه ودبوره وقبوله ، صلى الله عليه وعلى أبي بكر صاحبه في سفره وحلوله ، وعلى عمر حامي الإسلام بسيف لا يخاف من فلوله ، وعلى عثمان الصابر على البلاء حين نزوله ، وعلى علي الماضي بشجاعته قبل أن يصول بنصوله ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما امتد الدهر بطوله وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل
عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
(الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة
الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
سارعوا إلى مغفرة
من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر ، قال الله تعالى : { مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا } [ الرعد : 35 ] ، وقال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ
عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ } [ محمد : 15 ] ، وقال تعالى : { وَبَشِّرِ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا
قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 25 ] ، وقال تعالى : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ
ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا
}{ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ
كَانَتْ قَوَارِيرَ }{ قَوَارِيرَ مِنْ
فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا }{ وَيُسْقَوْنَ
فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا }{ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا }{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ }{ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا
}{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا
وَمُلْكًا كَبِيرًا } [
الإنسان : 14 - 20 ] .
وقال تعالى : { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ }{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً }{ فِيهَا
عَيْنٌ جَارِيَةٌ }{ فِيهَا سُرُرٌ
مَرْفُوعَةٌ }{ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ
}{ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ }{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } [ الغاشية : 10 - 16 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ
اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ] ، وقال تعالى : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى
الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا } [ الإنسان : 13 ] ، وقال تعالى : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ
سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ
رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } [ الإنسان : 21 ] ، وقال تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ
خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } [ الرحمن : 76 ] ،
وقال تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ
أَمِينٍ }{ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
}{ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ
مُتَقَابِلِينَ }{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ }{ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ
فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } [
الدخان : 51 - 55 ] ، وقال تعالى : {
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
تُحْبَرُونَ } [ الزخرف : 70 ] .
وقال تعالى : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ
قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ }{ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }{ كَأَنَّهُنَّ
الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } [ الرحمن : 56 - 58 ] ،
وقال تعالى : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ
}{ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
}{ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [ الرحمن : 70 - 72 ] ، وقال تعالى : { فَلَا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ } [
السجدة : 17 ] ، وقال تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا
يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ } [
يونس : 26 ] ، فالحسنى هي الجنة
لأنه لا دار أحسن منها , والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم ، رزقنا الله ذلك
بِمَنِّهِ وكرمه ، والآيات في وصف الجنة ونعيمها وسرورها وأنسها وحبورها كثيرة
جدا .
وأما الأحاديث :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قلنا : يا رسول
الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لَبِنَة
ذهب ولبنة فضة ، ومِلاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران
، من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه
) (رواه أحمد والترمذي) ، وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أنه خطب فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال : أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حَذَّاء ولم يبق منها إلا
صبابة كصبابة الإناء يصطبُّها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها
فانتقلوا بخير ما يحضرنكم , ولقد ذُكِرَ لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما
مسيرة أربعين سنة , وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام " (رواه مسلم) ،
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( في الجنة ثمانية أبواب
فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ) (متفق عليه) ، وعن
أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( ألا هل مُشَمِّر إلى الجنة ،
فإن الجنة لا خطر لها ) (أي :
لا مثل لها ولا عديل) ، ( هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ،
ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في
دار وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في مَحَلَّة عليه بهية " ,
قالوا : يا رسول الله نحن المشمرون لها .
قال : " قولوا : إن شاء الله " ،
فقال القوم : إن شاء الله ) (رواه
ابن ماجه والبيهقي وابن حبان في صحيحه ، وإسناده ضعيف .) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن ) (رواه البخاري) ، وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة يتراءَوْن أهل الغُرَف فوقهم كما تتراءَوْن الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال : " بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين ) (رواه البخاري) ، وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجنة غرفا يُرَى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام ) (أخرجه الطبراني , رواه أحمد بزيادة : ( وألان الكلام ).
وعن أبي موسى رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوّفة
، طولها في السماء ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضا
) (متفق عليه) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر , ثم
الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة , ثم هم بعد ذلك منازل لا يتغوَّطون ,
ولا يبولون , ولا يمتخِطون , ولا يبصُقون , أمشاطهم الذهب , ومجامرهم الألُوَّة
, ورشحهم المسك , أخلاقهم على خَلْق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعا
) (رواه مسلم) ، وفي رواية : ( لا اختلاف بينهم ولا
تباغض ، قلوبهم قلب واحد ، يسبِّحون الله بكرة وعشيا ) ، وفي رواية : ( وأزواجهم الحور العين ) .
وعن جابر رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفُلون ولا يبولون
ولا يتغوطون ولا يمتخطون " قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : " جُشَاءٌ ورَشْحٌ كرشح المسك ، يُلْهَمُون التسبيح والتحميد كما يُلْهَمُون النَّفَس ) (رواه مسلم) ، وعن
زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ( يعني أهل الجنة )
لَيُعْطَى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة ، تكون حاجة أحدهم رشحا
يفيض من جلودهم كرشح المسك فَيَضْمُرُ بطنه ) (أخرجه أحمد والنسائي ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب
: رواته محتج بهم في الصحيح ، ورواه الطبراني بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه
والحاكم) . وعن أنس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَقَابُ قوسِ أحدِكم أو موضع قدم في الجنة خير من الدنيا
وما فيها ، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما
ولملأت ما بينهما ريحا وَلَنَصِيفُهَا ( يعني الخمار ) خير من الدنيا وما فيها ) (رواه
البخاري) ، وعن أنس بن مالك رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن في الجنة لسُوقا يأتونها كل جمعة فتهب رياح
الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم ، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم
فيقولون لهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا ,
فيقولون
: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا ) (رواه
مسلم) ، وعن أبي سعيد رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ينادي مناد : إن لكم
أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تَحْيَوْا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن
تَشِبُّوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدا ، وذلك
قول الله عز وجل : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ
الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] .
وعن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( قال الله عز وجل : أَعْدَدْتُ لعبادي الصالحين ما
لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] (الحديث متفق عليه) . وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ نادى مناد : يا
أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن يُنْجِزَكُمُوهُ ، فيقولون : ما هو ؟
ألم يُثَقِّلْ موازيننا ويبيِّض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ فيكشف
لهم الحجاب فينظرون إليه , فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه
، ولا أقر لأعينهم منه ) (رواه
مسلم) ، وعن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه ( أن الله يقول لأهل الجنة :
" أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
) (رواه مسلم) .
اللهم ارزقنا الخلد في جنانك , وأحِل علينا فيها رضوانك , وارزقنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ولا فتنة مُضِلَّة . اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . |
الأربعاء، 1 يوليو 2015
في الاجتهاد في العشر الأواخر وليلة القدر
|
في
الاجتهاد في العشر الأواخر وليلة القدر
المجلس الثاني
والعشرون :
في الاجتهاد في العشر الأواخر وليلة القدر الحمد لله عالم السر والجهر ، وقاصم الجبابرة بالعز والقهر ، مُحْصي قطرات الماء وهو يجري في النهر ، وباعث ظلام الليل ينسخه نور الفجر ، موفِّر الثواب للعابدين ومكمِّل الأجر ، العالم بخائنة الأعين وخافية الصدر ، شمل برزقه جميع خلقه فلم يترك النمل في الرمل ولا الفرخ في الوكر ، أغنى وأفقر وبحكمته وقوع الغنى والفقر ، وفضَّل بعض المخلوقات على بعض حتى أوقات الدهر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، أحمده حمدا لا منتهى لعدده ، وأشكره شكرا يستجلب المزيد من مدده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نبع الماء من بين أصابع يده صلى الله عليه وسلم ، وعلى أبي بكر صاحبه في رخائه وشدائده ، وعلى عمر بن الخطاب كهف الإسلام وعَضُده ، وعلى عثمان جامع كتاب الله وموحِّده ، وعلى علي كافي الحروب وشجعانها بمفرده ، وعلى آله وأصحابه المحسن كل منهم في عمله ومقصده ، وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
(الأحزاب 71)
وبعد:ـ أيها الأخوة
الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
في هذه العشر
المباركة ليلة القدر التي شرَّفها الله على غيرها ومَنَّ على هذه الأمة بجزيل
فضلها وخيرها ، أشاد الله بفضلها في كتابه المبين فقال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا
كُنَّا مُنْذِرِينَ }{ فِيهَا يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }{ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا
إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }{ رَحْمَةً مِنْ
رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }{ رَبِّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
}{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ } [ الدخان : 3 - 8 ] ، وصفها الله سبحانه بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها
وفضلها ، ومن بركتها أن هذا القرآن المبارك أُنْزِل فيها ، ووصفها سبحانه بأنه
يفرق فيها كل أمر حكيم ، يعني يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكَتَبَة ما هو كائن
من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك من
كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة ، التي ليس فيها خلل ولا نقص ولا سفه
ولا باطل ذلك تقدير العزيز العليم .
وقال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ }{ سَلَامٌ
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر : 1 - 5 ] . القدر بمعنى الشرف والتعظيم ، أو بمعنى التقدير
والقضاء ؛ لأن ليلة القدر شريفة عظيمة يقدِّر الله فيها ما يكون في السنة ويقضيه
من أموره الحكيمة ، { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ
مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يعني في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر ، ولذلك
كان مَنْ قامها إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه ، { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا }
الملائكة عباد من عباد الله قائمون بعبادته ليلا ونهارا { لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا
يَسْتَحْسِرُونَ }{ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 19 - 20 ] ،
يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة ، ( والروح ) هو جبريل عليه السلام خصه بالذكر لشرفه
وفضله . { سَلَامٌ هِيَ } يعني أن ليلة
القدر ليلة
سلام للمؤمنين من
كل مخوف لكثرة من يُعتق فيها من النار ، ويسلم من عذابها ، { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } يعني أن ليلة القدر
تنتهي بطلوع الفجر لانتهاء عمل الليل به .
وفي هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر : * الفضيلة الأولى : أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة . * الفضيلة الثانية : ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } . * الفضيلة الثالثة : أنها خير من ألف شهر . * الفضيلة الرابعة : أن الملائكة تتنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة . * الفضيلة الخامسة : أنها سلام لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل . * الفضيلة السادسة : أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تُتْلَى إلى يوم القيامة .
* ومن فضائل ليلة
القدر ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة
القدر إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ) (متفق عليه) ،
فقوله : ( إيمانا واحتسابا ) يعني إيمانا
بالله وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها ، واحتسابا للأجر وطلب الثواب ،
وهذا حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم ؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر
وليلة القدر في
رمضان ؛ لأن الله أنزل القرآن فيها ، وقد أخبر أن إنزاله في شهر رمضان ، قال
تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ } ، وقال : { شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ البقرة : 185 ] ، فبهذا تعيَّن أن تكون ليلة القدر في رمضان ، وهي موجودة في الأمم وفي هذه
الأمة إلى يوم القيامة لما رُوِيَ ( عن أبي ذَرٍّ
رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله
أخبرني عن ليلة القدر أهي في رمضان أم في غيره ؟ قال : " بل هي في رمضان "
. قال : تكون مع الأنبياء ما كانوا ، فإذا قُبِضُوا رُفِعَت أم هي إلى يوم
القيامة ؟ قال : " بل هي إلى يوم القيامة )
( الحديث ) (رواه أحمد والنسائي
والحاكم ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه , ونقل عن الذهبي أنه أقره
، والله أعلم .) ، لكنْ فضلها
وأجرها يختص والله أعلم بهذه الأمة كما اختصت هذه الأمة بفضيلة يوم الجمعة وغيرها
من الفضائل ، ولله الحمد .
وليلة القدر في
العشر الأواخر من رمضان لقول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( تَحَرَّوْا ليلة القدر في العشر
الأواخر من رمضان ) (متفق
عليه) ، وهي في الأوتار أقرب
من الأشفاع لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من
رمضان ) (رواه البخاري) ، وهي في السبع الأواخر أقرب ؛ لحديث ابن عمر رضي الله
عنهما ( أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت ( يعني اتفقت ) في السبع الأواخر ،
فمن كان مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السبع الأواخر ) (متفق عليه) ،
ولمسلم عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( التمسوها في العشر الأواخر ( يعني
ليلة القدر ) ، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا
يُغْلَبَنَّ على السبع البواقي ، وأقرب أوتار السبع الأواخر ليلة سبع
وعشرين لحديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال : والله إني لأعلم أي ليلة هي
، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين )
(رواه مسلم) ، ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام ، بل
تتنقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلا ، وفي عام آخر
ليلة خمس وعشرين
تبعا لمشيئة الله وحكمته , ويدل على ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم : ( التمسوها في تاسعة تبقى
في سابعة تبقى في خامسة تبقى ) (رواه البخاري) ، قال في فتح
الباري : أرجح الأقوال أنها في وتر من العشر الأخير ، وأنها تنتقل ا هـ .
وقد أخفى سبحانه علمها على العباد رحمة بهم ؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله وثوابا ، وأخفاها اختبارا لهم أيضا ليتبين بذلك من كان جادا في طلبها حريصا عليها ممن كان كسلان متهاونا ، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به , وربما يُظْهِر الله علمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم علامتها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين ، فنزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين . إخواني : ليلة القدر يُفْتَح فيها الباب , ويُقَرَّب فيها الأحباب , ويُسْمَع الخطاب , ويرد الجواب ، ويكتب للعاملين فيها عظيم الأجر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها فهذا أوان الطلب ، واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب .
تولَّى العمر في سهوٍ ... وفي لهو وفي
خسرِ
فيا ضيعةَ ما أنفقْـ ... ـتُ في الأيام من عمري وما لي في الذي ضَيَّعْـ ... ـتُ من عمري من عذرِ فما أغفلنا عن وا ... جبات الحمد والشكرِ أمَا قد خصنا اللـ ... ـه بشهر أيما شهرِ بشهر أنزل الرحمـ ... ـن فيه أشرف الذكرِ وهل يشبهه شهرٌ ... وفيه ليلة القدرِ فكم من خبر صحَّ ... بما فيها من الخيرِ رَوَيْنَا عن ثقاتٍ ... أنها تُطْلَب في الوِترِ فطُوبى لامرئ يطلبها ... في هذه العشرِ ففيها تنزل الأملا ... ك حتى مطلع الذُّخْرِ وقد قال سلام هِـ ... ـيَ حتى مطلع الفجرِ ألا فادَّخِروها إنَّـ ... ـها من أنْفَسِ الذُّخْرِ فكم من معتَقٍ فيها ... من النار ولا يدري اللهم اجعلنا ممن صام الشهر ، وأدرك ليلة القدر ، وفاز بالثواب الجزيل والأجر . اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات ، الهاربين عن المنكرات ، الآمنين في الغرفات ، مع الذين أنعمت عليهم ووقيتهم السيئات ، اللهم أعذنا من مُضِلَّات الفتن ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك ،
واجعلنا من أهل طاعتك وولايتك ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
اصحاب الاعراف
أي: وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له: { الأَعْرَاف } لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر مِنْ عليه حالُ الفريقين، ...
-
خطبة عن استقبال رمضان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إ نه من يهده الله فلا ...
-
خطبة عن فضل القرآن إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إ نه من يهده الله فلا مض...
-
تكريمه صلى الله عليه وسلم بالنبوة وهو في مراحل خلق آدم : فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الل...