الأحد، 25 أكتوبر 2015

فرائض وسنن الوضوء

سنن الوضوء:
أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على من تركها.
وبيانها ما يأتي:
(1) التسمية في أوله: ورد في التسمية للوضوء أحاديث ضعيفة لكن مجموعها يزيدها قوة تدل على أن لها أصلا، وهي بعد ذلك أمر حسن في نفسه، ومشروع في الجملة.
(2) السواك: ويطلق على العود الذي يستاك به وعلى الاستياك نفسه، وهو دلك الاسنان بذلك العود أو نحوه من كل خشن تنظف به الاسنان، وخير ما يستاك به عود الاراك الذي يؤتي به من الحجاز، لان من خواصه أن يشد اللثة، ويحول دون مرض الاسنان، ويقوي على الهضم، ويدر البول، وإن كانت السنة تحصل بكل ما يزيل صفرة الاسنان وينظف الفم كالفرشة ونحوها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء،) رواه مالك والشافعي والبيهقي والحاكم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) رواه أحمد والنسائي والترمذي.
وهو مستحب في جميع الاوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا
(1) عند الوضوء.
(2) وعند الصلاة.
(3) وعند قراءة القرآن
(4) وعند الاستيقاظ من النوم
(5) وعند تغير الفم.
والصائم والمفطر في استعماله أول النهار وآخره سواء، لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي، يتسوك وهو صائم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وإذا استعمل السواك، فالسنة غسله بعد الاستعمال تنظيفا له، لحديث عائشة   رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك، لاغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه) رواه أبو داود والبيهقي.
ويسن لمن لا أسنان له أن يستاك بإصبعه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال: (نعم) قلت: كيف يصنع؟ قال: (يدخل إصبعه في فيه) رواه الطبراني.
(3) غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء: لحديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا) (1) رواه أحمد والنسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده) رواه الجماعة.
إلا أن البخاري لم يذكر العدد.
(4) المضمضة ثلاثا: لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فمضمض (2)) رواه أبو داود والبيهقي.
(5) الاستنشاق والاستنثار ثلاثا: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر) رواه الشيخان وأبو داود.
والسنة أن يكون الاستنشاق باليمنى والاستنثار باليسرى، لحديث علي رضي الله عنه (أنه دعا بوضوء (3) فتمضمض واستنشق (4) ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثا، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والنسائي.
وتتحقق المضمضة والاستنشاق إذا وصل الماء إلى الفم والانف بأي صفة، إلا أن الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل بينهما،
__________
(1) (فاستوكف) : أي غسل كفيه.
(2) (المضمضة) : إدارة الماء وتحريكه في الفم.
(3) الوضوء بفتح الواو: اسم الماء الذي يتوضأ به.
فعن عبد الله بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا) وفي رواية (تمضمض واستنثر بثلاث غرفات) متفق عليه، ويسن المبالغة فيهما لغير الصائم، لحديث لقيط رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: (أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
(6) تخليل اللحية: لحديث عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء، فأدخله تحت حنكه فخلل به، وقال: (هكذا أمرني ربي عزوجل) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم.
(7) تخليل الاصابع: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره) رواه الخمسة إلا أحمد.
وقد ورد ما يفيد استحباب تحريك الخاتم ونحوه كالاساور، إلا أنه لم يصل إلى درجة الصحيح، لكن ينبغي العمل به لدخوله تحت عموم الامر بالاسباغ.
(8) تثليث الغسل: وهو السنة التي جرى عليها العمل غالبا وما ورد مخالفا لها فهو لبيان الجواز.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا وقال: (هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
وعن عثمان رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا) رواه أحمد ومسلم والترمذي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم

توضأ مرة مرة ومرتين مرتين، أما مسح الرأس مرة واحدة فهو الاكثر رواية.
(9) التيامن: (أي البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من اليدين والرجلين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في تنعله (1) وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لبستم وإذا توضأتم فأبدءوا بأيمانكم (2) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
(10) الدلك: وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، فعن عبد الله بن زيد رضي
الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثلث مد فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه) رواه ابن خزيمة، وعنه رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل يقول هكذا: يدلك، رواه أبو داود الطيالسي وأحمد وابن حبان وأبو يعلى.
(11) الموالاة: (اي تتابع غسل الاعضاء بعضها إثر بعض) بألا يقطع المتوضئ وضوءه بعمل أجنبي، يعد في العرف انصرافا عنه وعلى هذا مضت السنة، وعليها عمل المسلمين سلفا وخلفا.
(12) مسح الاذنين: والسنة مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالابهامين بماء الرأس لانهما منه.
فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسح في وضوئه رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعه في صماخي أذنيه) رواه أبو داود والطحاوي، وعن ابن عامر رضي الله عنهما في وصفه
__________
(1) (التنعل: ليس النعل. والترجل: تسريح الشعر. والطهور: يشمل الوضوء والغسل.
(2) ايمانكم جمع يمين، والمراد اليد اليمنى أو الرجل اليمنى.
وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة) ، رواه أحمد وأبو داود.
وفي رواية (مسح رأسه وأذنيه وباطنهما بالمسبحتين) (1) وظاهرهما بإبهاميه.
(13) إطالة الغرة والتحجيل: أما إطالة الغرة فبأن يغسل جزءا من مقدم الرأس، زائدا عن المفروض في غسل الوجه وأما اطالة التحجيل، فبأن يغسل ما فوق المرفقين والكعبين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين (2) من آثار الوضوء) فقال أبو هريرة: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
رواه أحمد والشيخان، وعن أبي زرعة (أن أبا هريرة رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا مبلغ الحلية) رواه أحمد واللفظ له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(14) الاقتصاد في الماء وإن كان الاغتراف من البحر: لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع (3) إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد) ، متفق عليه، وعن عبيد الله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما: (كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد، قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك: رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات، وروي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال:
__________
(1) (بالمسبحتين) أي السبابتين.
(2) أصل الغرة: بياض في جبهة الفرس و (التحجيل، بياض في رجله والمراد من كونهم يأتون غرا محجلين، أن النور يعلو وجوههم وأيديهم وأرجلهم يوم القيامة وهما من خصائص هذه الامة.
(3) (الصاع) : أربعة أمداد و (المد) 128 درهما وأربعة أسباع الدرهم 404 سم 3.
(ما هذا السرف يا سعد؟! فقال: وهل في الماء من سرف؟ قال: (نعم وإن كنت على نهر جار) رواه أحمد وابن ماجه وفي سنده ضعف، والاسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية، كأن يزيد في الغسل على الثلاث، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا، قال: (هذا الوضوء، من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة بأسانيد صحيحة، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
قال البخاري: كره أهل العلم في ماء الوضوء أن يتجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(15) الدعاء أثناء: لم يثبت من أدعية الوضوء شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول يدعو: (اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي) فقلت: يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال: (وهل تركن من شئ؟) رواه النسائي وابن السني بإسناد صحيح، لكن النسائي أدخله في (باب ما يقول بعد الفراغ من الوضوء) وابن السني ترجم له (باب ما يقول بين ظهراني وضوئه) ، قال النووي وكلاهما محتمل.
(16) الدعاء بعده: لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الاوسط، ورواته رواة الصحيح، واللفظ له ورواه النسائي وقال في آخره: (ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة) وصوب وقفه.
وأما دعاء: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فهي في رواية الترمذي، وقد قال في الحديث وفي إسناده اضطراب، ولا يصح فيه شئ كبير.
(17) صلاة ركعتين بعده: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الاسلام إني سمعت دف نعليك (1) بين يدي في الجنة.
قال: ما عملت عملا أرجى عندي من اني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) .
متفق عليه، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وعن حمران مولى عثمان: أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ عى يمينه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم غسل رجليه ثلاثا، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا) ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وما بقي من تعاهد موقي العينين وغضون الوجه، ومن تحريك الخاتم، ومن مسح العنق، لم نتعرض لذكره، لان الاحاديث فيها لم تبلغ درجة الصحيح، وإن كان يعمل بها تتميما للنظافة.
مكروهاته يكره للمتوضئ أن يترك سنة من السنن المتقدم ذكرها، حتى لا يحرم نوابها، لان فعل المكروه يوجب حرمان الثواب، وتتحقق الكراهية بترك السنة.
(1) (الدف) بالضم: صوت النعل حال المشي.



السبت، 24 أكتوبر 2015

أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ،

 قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ - أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ:

يَا رَسُولَ اللهِ - أَوْ يَا مُحَمَّدُ - أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ،

 قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ» ،

 قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،

 وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ»

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

في أسباب دخول النار


في أسباب دخول النار
المجلس السادس والعشرون :
في أسباب دخول النار
الحمد لله القوي المتين ، الظاهر القاهر المبين ، لا يعزب عن سمعه أقل الأنين ، ولا يخفى على بصره حركات الجنين ، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين ، وبطل أمام قدرته كيد الكائدين ، قضى قضاءه كما شاء على الخاطئين ، وسبق اختيارُه مَنِ اختاره من العالمين ، فهؤلاء أهل الشِّمال وهؤلاء أهل اليمين ، جرى القدر بذلك قبل عمل العاملين ، ولولا هذا التقسيم لبطل جهاد المجاهدين , وما عُرِفَ أهل الإيمان من الكافرين , ولا أهل الشك من أهل اليقين ، ولولا هذا التقسيم ما امتلأت النار من المجرمين ، { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . تلك يا أخي حكمة الله وهو أحكم الحاكمين ، أحمده سبحانه حمد الشاكرين ، وأسأله معونة الصابرين ، وأستجير به من العذاب المهين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أول تابع من الرجال على الدين ، وعلى عمر القوي في أمر الله فلا يلين ، وعلى عثمان زوج ابنتي الرسول ونِعْمَ القرين ،
وعلى علي بحر العلوم الأنزع البطين ، وعلى جميع آل بيت الرسول الطاهرين ، وعلى سائر أصحابه الطيبين ، وعلى أتباعه في دينه إلى يوم الدين ، وسلم تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)

وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
اعلموا أن لدخول النار أسبابا بيَّنها الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ليحذر الناس منها ويجتنبوها ، وهذه الأسباب على نوعين :
* النوع الأول : أسباب مُكَفِّرة تُخْرِج فاعلها من الإيمان إلى الكفر ، وتوجب له الخلود في النار .
* النوع الثاني : أسباب مُفَسِّقة تُخْرِج فاعلها من العدالة إلى الفسق ، ويستحق بها دخول النار دون الخلود فيها .
فأما النوع الأول فنذكر منه أسبابا :
* السبب الأول : الشرك بالله بأن يجعل لله شريكا في الربوبية أو الألوهية أو الصفات , فمن اعتقد أن مع الله خالقا مشاركا أو منفردا , أو اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد , أو عبد مع الله غيره فصرف شيئا من أنواع العبادة إليه , أو اعتقد أن لأحد من العلم والقدرة والعظمة ونحوها مثل ما لله عز وجل , فقد أشرك بالله شركا أكبر واستحق الخلود في النار , قال الله عز وجل : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [ المائدة : 72 ] .
* السبب الثاني : الكفر بالله عز وجل أو بملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو قضاء الله وقدره , فمن أنكر شيئا من ذلك تكذيبا أو جحدا أو شك فيه فهو كافر مخلد في النار , قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا }{ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } [ النساء : 150 - 151 ]
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا }{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا }{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ }{ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ }{ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا }{ يَا أَيُّهَا }
[64 - 69] .
* السبب الثالث : إنكار فرض شيء من أركان الإسلام الخمسة , فَمَنْ أنكر فرضِيَّة توحيد الله أو الشهادة لرسوله بالرسالة أو عمومها لجميع الناس أو فريضة الصلوات الخمس أو الزكاة أو صوم رمضان أو الحج ، فهو كافر لأنه مكذِّب لله ورسوله وإجماع المسلمين ، وكذلك من أنكر تحريم الشرك أو قتل النفس التي حرم الله أو تحريم الزنا أو اللواط أو الخمر أو نحوها مما تحريمه ظاهر صريح في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مكذِّب لله ورسوله ، لكن إن كان قريب عهد بإسلام فأنكر ذلك جهلا لم يَكْفُر حتى يُعَلَّم فينكر بعد علمه .
* السبب الرابع : الاستهزاء بالله سبحانه أو بدينه أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }{ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
[ التوبة : 65 - 66 ] ، والاستهزاء هو السخرية ، وهو من أعظم الاستهانة بالله ودينه ورسوله , وأعظم الاحتقار والازدراء , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
* السبب الخامس : سب الله تعالى أو دينه أو رسوله ، وهو القدْح والعيب وذكرهم بما يقتضي الاستخفاف والانتقاص كاللعن والتقبيح ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : من سبَّ الله أو رسوله فهو كافر ظاهرا وباطنا سواء كان يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحِلًّا له ، أو كان ذاهلا عن اعتقاد . وقال أصحابنا : يكفر من سب الله سواء كان مازحا أو جادا ، وهذا هو الصواب المقطوع به ، ونقل عن إسحاق بن راهويه : أن المسلمين أجمعوا على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله فهو كافر وإن كان مقرا بما أنزل الله . وقال الشيخ أيضا : والْحُكْم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا صلى الله عليه وسلم ، فمن سبَّ نبيا مسمّى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن أو موصوفا بالنبوة بأن يذكر في الحديث أن نبيا فعل أو قال كذا فيسب ذلك الفاعل أو القائل مع علمه أنه نبي فحكمه كما تقدم . ا هـ .
وأما سبُّ غير الأنبياء فإن كان الغرض منه سب النبي مثل أن يسب أصحابه يقصد به سب النبي لأن المقارِن يقتدي بمن قارنه , ومثل أن يقذف واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ونحوه فإنه يكفر ؛ لأن ذلك قدح في النبي وسب له ، قال الله تعالى : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ } [ النور : 26 ] .
* السبب السادس : الحكم بغير ما أنزل الله معتقدا أنه أقرب إلى الحق وأصلح للخلق ، أو أنه مساو لحكم الله ، أو أنه يجوز الحكم به , فمن حكم بغير ما أنزل الله معتقدا ذلك فهو كافر لقول الله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
[ المائدة : 44 ] ، وكذا لو اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به ، فهو كافر وإن لم يحكم به ؛ لأنه مكذِّب لقوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] ، ولما يقتضيه قوله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .
* السبب السابع : النفاق وهو أن يكون كافرا بقلبه ويظهر للناس أنه مسلم إما بقوله أو بفعله ، قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } [ النساء : 145 ] ، وهذا الصنف أعظم مما قبله ، ولذلك كانت عقوبة أصحابه أشد ، فهم في الدرك الأسفل من النار وذلك لأن كفرهم جامع بين الكفر والخداع والاستهزاء بالله وآياته ورسوله ، قال الله تعالى عنهم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }{ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا َعْلَمُونَ }{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }{ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ البقرة : 8 - 15 ] .
وللنفاق علامات كثيرة :
* منها الشك فيما أنزل الله وإن كان يُظْهِر للناس أنه مؤمن ، قال الله عز وجل : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }
[ التوبة : 45 ] ، ومنها كراهة حكم الله ورسوله , قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا }{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } [ النساء : 60 - 61 ] .
* ومنها كراهة ظهور الإسلام وانتصار أهله والفرح بخذلانهم ، قال الله تعالى : { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } [ التوبة : 50 ] ، { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ آل عمران : 119 - 120 ] .
* ومنها طلب الفتنة بين المسلمين والتفريق بينهم ومحبة ذلك , قال الله تعالى : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }
[ التوبة : 47 ] .
* ومنها محبة أعداء الإسلام وأئمة الكفر ومدحهم ونشر آرائهم المخالفة للإسلام , قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ المجادلة : 14 ] .
* ومنها لمز المؤمنين وعيبهم في عبادتهم , قال الله تعالى : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
[ التوبة : 79 ] ، فيعيبون المجتهدين في العبادة بالرياء ويعيبون العاجزين بالتقصير .
ومنها الاستكبار عن دعاء المؤمنين احتقارا وشكا ، قال الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ }
[ المنافقون : 5 ] .
* ومنها ثقل الصلاة والتكاسل عنها , قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [ النساء : 142 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) (متفق عليه) .
* ومنها أذية الله ورسوله والمؤمنين , قال الله تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
[ التوبة : 61 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا }{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [ الأحزاب : 57 - 58 ] .
فهذه طائفة من علامات المنافقين ذكرناها للتحذير منها وتطهير النفس من سلوكها .
اللهم أَعِذْنَا من النفاق ، وارزقنا تحقيق الإيمان على الوجه الذي يرضيك عنا , واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .



الأحد، 5 يوليو 2015

في وصف النار أعاذنا الله منها




في وصف النار أعاذنا الله منها
المجلس الخامس والعشرون :
في وصف النار أعاذنا الله منها
الحمد لله الحي القيوم ، الباقي وغيره لا يدوم ، رفع السماء وزيَّنها بالنجوم ، وأمسك الأرض بجبال في التخوم ، صوَّر بقدرته هذه الجسوم ، ثم أماتها ومحا الرسوم ، ثم ينفخ في الصُّور فإذا الميت يقوم , ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السَّموم , تفتح أبوابها في وجوههم لكل باب منهم جزء مقسوم , وتوصد عليهم في عَمَد ممددة فيها للهموم والغموم ، يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فما منهم مرحوم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من للنجاة يروم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , الذي فتح الله بدينه الفرس والروم . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما هَطَلت الغيوم , وسلم تسليما .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب 71)

وبعد:ـ أيها الأخوة الأعزاء
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
لقد حذرنا الله تعالى في كتابه من النار وأخبرنا عن أنواع عذابها بما تتفطَّر منه الأكباد وتتفجر منه القلوب ، حذرنا منها وأخبرنا عن أنواع عذابها رحمة بنا لنزداد حذرا وخوفا ، فاسمعوا ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع عذابها لعلكم تذكرون ، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تُنْصَرُون ، قال تعالى : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا } [ الإنسان : 4 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] ، وقال تعالى مخاطبا إبليس : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ }{ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [ الحجر : 42 - 44 ] ، وقال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 71 ] ، وقال تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }{ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ }{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } [ الملك : 6 - 8 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ العنكبوت : 55 ] ، وقال تعالى : { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ } [ الزمر : 16 ] .
وقال تعالى : { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ }{ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ }{ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ }{ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } [ الواقعة : 41 - 44 ] ، وقال تعالى : { وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا } [ التوبة : 81 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ }{ نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 10 - 11 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ }{ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } [ القمر : 47 - 48 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ }{ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ }{ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } [ المدثر : 27 - 29 ] ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] ، وقال تعالى : { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ }{ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } [ المرسلات : 32 - 33 ] ، وقال
تعالى : { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ }{ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } [ إبراهيم : 49 - 50 ] ، وقال تعالى : { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ } [ غافر : 71 ] .
وقال تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ }
[ الحج : 19 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } [ النساء : 56 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ }{ طَعَامُ الْأَثِيمِ }{ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ }{ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } [ الدخان : 43 - 46 ] ، وقال في تلك الشجرة : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ }{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 64 - 65 ] .
وقال تعالى : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ }{ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ }{ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ }{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ }{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } [ الواقعة : 51 - 55 ] ، وقال تعالى : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [ الكهف : 29 ] ، وقال تعالى : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [ محمد : 15 ] ، وقال تعالى : { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ }{ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [ إبراهيم : 16 - 17 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }{ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ }{ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [ الزخرف : 74 - 77 ] ، وقال تعالى : { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [ الإسراء : 97 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا }{ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } [ النساء : 168 - 169 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } [ الأحزاب : 64 ] ، وقال تعالى : { إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } [ الجن : 23 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ }{ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ }{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ }{ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ }{ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ } [ الهمزة : 5 - 9 ] .
والآيات في وصف النار وأنواع عذابها الأليم الدائم كثيرة .
أما الأحاديث فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها ) (رواه مسلم) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ناركم هذه ما يُوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم " ، قالوا : يا رسول الله إنها لكافية ؟ قال : " إنها فُضِّلَت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) (متفق عليه) ، وعنه رضي الله عنه قال : ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وَجْبَة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا ( يعني سبعين سنة ) فالآن حين انتهى إلى قعرها ) (رواه مسلم) .
وقال عُتْبَة بن غزوان رضي الله عنه وهو يخطب : لقد ذُكِرَ لنا أن الحجر يُلْقَى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لَتُمْلأن أَفَعَجِبْتُم ؟
(رواه مسلم) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن قطرة من الزقوم قَطَرَت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم )
(رواه النسائي والترمذي وابن ماجه ، وأخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما )
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشِراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا ، وإنه لأهونهم عذابا ) (رواه مسلم وللبخاري نحوه) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُؤْتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيُصْبَغ في النار صبغة ثم يقال : يا بن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا ربِّ ، ويُؤْتَى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال : يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك من شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا ربِّ ما رأيت بؤسا ولا مر بي من شدة قط )
(رواه مسلم) ، يعني أن أهل النار ينسون كل نعيم مر بهم في الدنيا ، وأهل الجنة ينسون كل بؤس مر بهم في الدنيا ، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ قال : فيقول : نعم . قال : فيقول : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي ) (رواه أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه) .
وروى ابن مَرْدَوَيْهِ عن يَعْلَى ابن مُنْيَة وهو ابن أمية ومنية أمه أنه قال : يُنْشِئ الله لأهل النار سحابة فإذا أشرفت عليهم ناداهم : يا أهل النار أيُّ شيء تطلبون ؟ وما الذي تسألون ؟ فيذكرون بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم ، فيقولون : نسأل يا رب الشراب ، فيمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم ، وجمرا يُلْهِب النار عليهم ، وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر وقاطع رحم ومصدِّق بالسحر ، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوْطة " . قيل : وما نهر الغوطة ؟ قال : " نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن ) (رواه أحمد وصححه الحاكم وأقره الذهبي) ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن على الله عهدا لمن شرب الْمُسْكِرات لَيَسْقِيه من طينة الخبال " . قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : " عَرق أهل النار أو عصارة أهل النار ) (رواه مسلم) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يقال لليهود والنصارى : ماذا تبغون ؟ فيقولون : عطِشنا ربَّنا فاسْقِنَا . فيُشار إليهم : ألا تَرِدُون ؟ فيُحْشَرون إلى جهنم
كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ) (متفق عليه) قال الحسن : ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شَرْبة حتى انقطعت أعناقهم عطشا ، واحترقت أجوافهم جوعا ، ثم انصرف بهم إلى النار فيُسْقَون من عين آنية قد آن حرها واشتد نضجها .
وقال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار : دار قد خُصَّ أهلها بالبعاد ، وحُرِموا لذة المنى والإسعاد ، بُدِّلَت وضاءة وجوههم بالسواد ، وضُرِبُوا بمقامع أقوى من الأطواد ، عليها ملائكة غلاط شداد ، لو رأيتهم في الحميم يسرحون ، وعلى الزمهرير يُطْرَحون ، فحزنهم دائم فما يفرحون ، مُقَامهم محتوم فما يبرحون أبد الآباد ، عليها ملائكة غلاط شداد ، توبيخهم أعظم من العذاب ، تأسُّفهم أقوى من الْمُصاب ، يبكون على تضييع أوقات الشباب ، وكلما جاد البكاء زاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، يا حسرتهم لغضب الخالق ، يا محنتهم لعِظَم البوائق ، يا فضيحتهم بين الخلائق ، على رؤوس الأشهاد ، أين كسبهم للحُطام ؟ أين سعيهم في الآثام ؟ كأنه كان أضغاث أحلام ، ثم أُحْرِقت تلك الأجسام ، وكلما أُحْرِقت تُعَاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد .
اللهم نَجِّنا من النار ، وأَعِذْنَا من دار الخزي والبوار ، وأسْكِنَّا برحمتك دار المتقين الأبرار ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



اصحاب الاعراف

  أي: وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له: { الأَعْرَاف } لا من الجنة ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر مِنْ عليه حالُ الفريقين، ...